للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرحام. فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من قريش على ما حدث، وأجمعوا على نقض الصحيفة، وقد أعلمهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأنه لم يبق فيها سوى كلمات الشرك والظلم «١» . وهكذا انتهت المقاطعة، وكان خروج المسلمين من الشعب السنة العاشرة من المبعث «٢» .

وعلى الرغم من المقاطعة، وما أصاب المسلمين من جرّائها من معاناة فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يتوقف عن الدعوة، فقد كان يخرج في الموسم يتلقى من يقدم إلى مكة للحج ويعرض عليهم الإسلام، كما كان يعرض ذلك على كل من يتصل به من مشركي قريش «٣» .

وفاة أبي طالب وخديجة- رضي الله عنها-:

كانت مصيبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم كبيرة بوفاة عمه أبي طالب بن عبد المطلب، وزوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- في آخر السنة العاشرة من المبعث بعد أن غادر المسلمون شعب أبي طالب «٤» . وكان أبو طالب «يحوط النبي صلّى الله عليه وسلّم ويغضب له» «٥» . كما كان «ينصره» «٦» . وكانت قريش تحترمه، وقد جاء زعماؤها حين حضرته الوفاة فحرضوه على التمسك بدينه، وعدم الدخول في الإسلام. وعرض عليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم الإسلام بإلحاح طالبا منه أن يتلفظ بالشهادتين ليشهد له بها يوم القيامة، وكان رد عمه عليه قوله: «لولا أن تعيّرني بها قريش يقولون إنما حمله عليها الجزع، لأقررت بها عينك» «٧» ، فأنزل الله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ «٨» .

أما ما نقله ابن إسحاق من أن العباس نظر إلى أبي طالب يحرك شفتيه، فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم أسمع» ، فهو خبر لا يصح «٩» .

لقد فقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوفاة عمه سندا كبيرا، إذ لم يعد بنو هاشم مستعدين بعده لتقديم القدر نفسه من الحماية للرسول صلّى الله عليه وسلّم لما يصيبهم من أضرار مادية ونفسية، كما تبين من حادثة المقاطعة «١٠» .


(١) ابن حجر- فتح الباري ٧/ ١٩٢.
(٢) عروة- المغازي ص/ ١٦٧، الذهبي- السيرة ص/ ٢٢٤، ولم ترد تفصيلات هذه المقاطعة في الصحاح وأشار إليها الإمام البخاري بشكل مقتضب- فتح الباري ١٥/ ٣٨ (حديث ٣٨٨٢) ، ٧/ ٢٤٢ (حديث ١٥٨٩) ، (حديث ١٥٩٠) .
(٣) ابن هشام- السيرة ١/ ٤٣٤.
(٤) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ٥١١، ٥٤٧، ٥٧١، ٥٧٢، ٥٧٣، ٥٧٤) .
(٥) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ١٩٣) .
(٦) مسلم- الصحيح ١/ ١٩٥.
(٧) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ٥٠٦) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي ١/ ٢١٣- ٢١٦) .
(٨) القرآن الكريم- سورة القصص، الآية/ ٥٦، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري ١/ ٥٩٢) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي ٣/ ٨٤- ٨٥) .
(٩) ابن هشام- السيرة ١/ ٤١٧ وانظر فتح الباري ٧/ ١٩٤.
(١٠) العمري- السنة الصحيحة ١/ ١٨٤.