للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما لا شك فيه أن الدلائل على صدق النبوة المحمدية لا تتوقف على هذه البشارات، فدلالات القرآن الكريم من التشريع الباهر، والإعجاز البلاغي، ودلالات السنة النبوية المطهرة الصحيحة على وقوع المعجزات الحسيّة ومشاهدة الألوف من المسلمين لها، ودلالات السيرة النبوية المطهرة، في إيمان النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم ويقينه، وعبادته ومجاهدته، ودعوته وجهاده وعدله وصدقه وإيمان المقربين إليه العارفين به يقطع بصدق البعثة المحمدية «١» .

وينقل ابن إسحاق عن رجال من الأنصار قولهم: «إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه، لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم» «٢» . ولا شك في أن يهود المدينة كانوا يعرفون أن زمان النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم قد اقترب، وكانوا يزعمون أنه منهم ويتوعدون به العرب وقد بين الله سبحانه وتعالى أنهم يعرفونه بصفاته وإنما أنكروا نبوّته وجحدوها لما تبين لهم أنه من العرب، قال تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «٣» .

وأورد البخاري في صحيحه «٤» ، ومسلم في كتاب الجهاد والسير «٥» ما صرح به هرقل ملك الروم حين استلم رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم إليه في قوله: «وقد كنت أعلم أنّه خارج، ولم أكن أظنّ أنّه منكم» «٦» .

إرهاصات نبوته صلّى الله عليه وسلّم:

كانت الرؤيا الصادقة هي أول ما بديء به من الوحي فكان صلّى الله عليه وسلّم لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح «٧» . ومن ذلك تسليم الحجر عليه قبل النبوة كما أخبر «٨» وقد «حبّب إليه الخلاء، فكان يخلوا بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التعبد- اللّيالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك ... » «٩» . حتى نزل عليه الوحي فجأة وهو في الغار «١٠» .


(١) أكرم العمري- السيرة النبوية الصحيحة ١/ ١٢١.
(٢) ابن هشام- السيرة ١/ ٢٣١، ابن سعد- الطبقات ١/ ١٥٨- ١٥٩، أبو نعيم- دلائل النبوة ١/ ٨٨.
(٣) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ ٨٩. وعن أسباب النزول: انظر ابن هشام- السيرة ١/ ١٩٥، الطبري- التفسير ٢/ ٧٥- ٦.
(٤) البخاري- الصحيح (كتاب بدء الوحي) ، ١/ ٦.
(٥) مسلم- صحيح ٣/ ١٣٩٥ (كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل) .
(٦) البخاري- الصحيح ١/ ٦، مسلم- الصحيح ٣/ ١٣٩٥.
(٧) البخاري- الصحيح ١/ ٣، مسلم- الصحيح ١/ ١٣٩.
(٨) مسلم- الصحيح ٤/ ١٧٨٢، الترمذي- سنن ٥/ ٥٩٣.
(٩) البخاري- الصحيح ١/ ٣، وأطرافه في الحديث ٣٣٩٢، ٤٩٥٣، ٤٩٥٥، ٤٩٥٦، ٤٩٥٧، ٦٩٨٢، مسلم- الصحيح ١/ ١٤٠.
(١٠) البخاري- الصحيح ١/ ٣، مسلم- الصحيح ١/ ١٤٠.