للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (الحديد/ ١٠) .

(٤) بمعنى الإنفاق على العيال والأهل: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ (الطلاق/ ٦) . وكذلك: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (الطلاق/ ٧) .

(٥) بمعنى الفقر والإملاق. كقوله تعالى: إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ (الإسراء/ ١٠٠) «١» .

[الإنفاق والقرض الحسن:]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في معنى قول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (البقرة/ ٢٤٥) . صدّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمّن معنى الطّلب، وهو أبلغ في الطّلب من صيغة الأمر.

والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن، فيجازى عليه أضعافا مضاعفة؟

وسمّي ذلك الإنفاق قرضا حسنا حثّا للنفوس، وبعثا لها على البذل؛ لأنّ الباذل متى علم أنّ عين ماله يعود إليه ولا بدّ طوّعت له نفسه، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أنّ المستقرض مليء وفيّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله وسماحة نفسه، فإن علم أنّ المستقرض يتّجر له بما اقترضه، وينمّيه له ويثمّره حتّى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنّه مع ذلك كلّه يزيده من فضله وعطائه أجرا آخر من غير جنس القرض، فإنّ ذلك القرض حظّ عظيم، وعطاء كريم؛ فإنّه لا يتخلّف عن قرضه إلّا لآفة في نفسه من البخل والشّحّ، أو عدم الثّقة بالضّمان. وذلك من ضعف إيمانه. ولهذا كانت الصّدقة برهانا لصاحبها. وهذه الأمور كلّها تحت هذه الألفاظ الّتي تضمّنتها الآية، فإنّه سمّاه قرضا، وأخبر أنّه هو المقترض- لا قرض حاجة- ولكن قرض إحسان إلى المقرض واستدعاء لمعاملته، وليعرف مقدار الرّبح فهو الّذي أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به ثمّ أخبر عمّا يعطيه فوق ذلك من الزّيادة وهو الأجر الكريم، وحيث جاء هذا القرض في القرآن قيّده بكونه حسنا، وذلك يجمع أمورا ثلاثة:

أوّلها: أن يكون من طيّب ماله، لا من رديئه وخبيثه.

ثانيها: أن يخرجه طيّبة به نفسه، ثابتة عند بذله، ابتغاء مرضاة الله.

ثالثها: أن لا يمنّ به ولا يؤذي.

فالأوّل يتعلّق بالمال، والثّاني يتعلّق بالمنفق بينه وبين الله، والثّالث بينه وبين الآخذ.

وأمّا قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ ٢٦١) فقد شبّه الله سبحانه النّفقة في


(١) بصائر ذوي التمييز (٥/ ١٠٤- ١٠٧) باختصار.