للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد لبث صلوات الله وسلامه عليه عمرا من قبل أن ينزّل عليه القرآن المجيد لا يقرأ كتابا ولا يحسن الكتابة بل كلّ أحد من قومه وغيرهم يعرف أنّه رجل أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب. وهذه صفته في الكتب المتقدّمة. كما قال تعالى:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ «١» .

فهكذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دائما إلى يوم الدّين لا يحسن الكتابة ولا يعانيها ولا أهلها بقصد التّعلّم ولا يخطّ سطرا ولا حرفا بيده بل كان له كتّابّ يكتبون بين يده الوحي والرّسائل إلى الأقاليم. وهذا من أعلام نبوّته لئلّا يرتاب بعض الجهلة فيقول إنّما تعلّم هذا القرآن من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء.

٦- تعلّم الشّعر:

قال الله تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ «٢» .

فلم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عالما بالشّعر وأصنافه وأعاريضه وقوافيه ولم يكن موصوفا بذلك بالاتّفاق وجعل الله سبحانه ذلك علما من أعلام نبوّته صلّى الله عليه وسلّم لئلّا تدخل الشّبهة على من أرسل إليهم فيظنّوا أنّه قوي على القرآن بما في طبعه من القوّة في الشّعر.

والأدلّة على عدم معرفته بالشّعر وعدم ميله إليه كثيرة منها: أنّ قريشا لمّا تشاورت فيما يقولون للعرب في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قدموا عليهم الموسم. فقال بعضهم: نقول إنّه شاعر. فقال أهل الفطنة منهم: والله لتكذّبنّكم العرب، فإنّهم يعرفون أصناف الشّعر فو الله ما يشبه شيئا منها وما قوله بشعر.

وأمّا ما وقع على لسانه صلوات الله وسلامه عليه من الشّعر القليل، كقوله يوم حنين وهو راكب بغلته يقدّم بها نحور العدوّ.

أنا النّبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطّلب «٣»

وكقوله لمّا أصابه حجر وهو يمشي فعثر فدميت إصبعه الشّريفة:

هل أنت إلّا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت «٤»

فكلّ هذا وأمثاله إنّما وقع منه اتّفاقا من غير قصد لوزن الشّعر بل جرى على اللّسان من غير قصد إليه.


(١) سورة الأعراف: آية (١٥٧) .
(٢) سورة يس: آية (٦٩) .
(٣) رواه البخاري- انظر الفتح ٧ (٤٣١٦) . ومسلم برقم (١٧٧٦) .
(٤) رواه البخاري- انظر الفتح ١٠ (٦١٤٦) . ومسلم برقم (١٧٩٦) .