للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في غضبي فإنّما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنّما بعثني رحمة للعالمين فأجعلها عليهم صلاة يوم القيامة» «١» .

- قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ: «كان محمّد صلّى الله عليه وسلّم رحمة لجميع النّاس فمن تبعه كان له رحمة في الدّنيا والآخرة، ومن لم يتبعه عوفي ممّا كان يبتلى به سائر الأمم من الخسف والمسخ والقذف» «٢» .

- وقال بعض العلماء في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ: لجميع الخلق للمؤمن رحمة بالهداية ورحمة للمنافق بالأمان من القتل ورحمة للكافر بتأخير العذاب «٣» .

- وأمّا كونه صلّى الله عليه وسلّم رحمة لأهل الإيمان خاصّة، فقد قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «٤» .

وقال تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «٥» .

٥- أمنة لأصحابه: «٦»

أكرم الله- تبارك وتعالى- نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فجعل وجوده بين أصحابه أمنة لهم من العذاب، بخلاف ما حصل لبعض الأمم السّابقة حيث عذّبوا في حياة أنبيائهم. وكان صلّى الله عليه وسلّم أمنة لأصحابه كذلك من الفتن والحروب وارتداد من ارتدّ من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك ممّا أنذر به صريحا ووقع بعد وفاته.

قال العزّ بن عبد السّلام- رحمه الله-: « ... ومن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم أنّ الله تعالى أرسله (رحمة للعالمين) فأمهل عصاة أمّته ولم يعاجلهم إبقاء عليهم بخلاف من تقدّمه من الأنبياء فإنّهم لمّا كذّبوا عوجل مكذّبهم» » .

وقد جاء النّصّ على هذه الخصوصيّة من القرآن الكريم والسّنّة المطهّرة وآثار السّلف الصّالح، فمن ذلك ما روى البخاريّ ومسلم «٨» من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال: قال أبو جهل: اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم «٩» . فنزلت وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ


(١) رواه أبو داود برقم (٤٦٥٩) واللفظ له، والامام أحمد (٥/ ٤٣٧) . والحديث أصله في مسلم برقم (٢٦٠١) .
(٢) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما. انظر تفسير ابن جرير (١٧/ ٨٣) ، وتفسير القرطبي (١١/ ٣٥٠) ، وتفسير ابن كثير (٣/ ٢١١، ٢١٢) .
(٣) انظر الشفا للقاضي عياض (١/ ٥٧) .
(٤) سورة التوبة: الآية (١٢٨) .
(٥) سورة التوبة: الآية (٦١) .
(٦) انظر الخصائص الكبرى (٢/ ٣٢٢) .
(٧) غاية السول (ص ٦٥، ٦٦) .
(٨) البخاري- الفتح ٨ (٤٦٤٨) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٧٩٦) .
(٩) سورة الأنفال: الآية (٣٢) .