للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمسلمين ضرورة اقتران النيّة بالجهاد، وأن لا يكون الدافع إلى القتال الحصول على الغنائم، أو الرغبة في الشهرة والمجد الشخصي أو الوطني، فقد سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن رجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية أي ذلك في سبيل الله؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» «١» . بل لا بد من إخلاص النية لله، وأن لا يقترن القصد من الجهاد بأي غرض دنيوي لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغي به وجهه «٢» .

وفي الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تضمّن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادا في سبيله، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة، أو أرجعه إلى مسكنه، الّذي خرج منه، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، والّذي نفس محمّد بيده! ما من كلم- أي جرح- يكلم في سبيل الله إلّا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك، والّذي نفس محمّد بيده، لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي، والّذي نفس محمّد بيده، لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل» «٣» .

ومن الصعب تقديم النماذج الكثيرة التي توضح أثر هذه التوجيهات النبوية على نفسية المقاتل المسلم، ولكن يمكن اختيار نموذجين لمقاتلين من عامة الجند، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين أثناء القتال في غزوة أحد: «قوموا إلى جنة عرضها السّماوات والأرض» ، فسمعه عمير بن الحمام الأنصاري فقال: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: «نعم» . قال: بخ بخ- كلمة تقال لتعظيم الأمر في الخير- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ؟» ، قال: لا والله يا رسول الله إلّا رجاءة أن أكون من أهلها. قال: «فإنّك من أهلها» . فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل» «٤» . فهذا النموذج الأول، وأما الثاني: فقد صح أن أعرابيّا شهد فتح خيبر أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أثناء المعركة أن يقسم له قسما وكان غائبا، فلما حضر أعطوه ما قسم له، فجاء به إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى ههنا- أشار إلى حلقه- بسهم فأدخل الجنة. قال: «إن تصدق الله يصدقك» . قال:

فلبثوا قليلا، ثم نهضوا في قتال العدو فأتى به يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فكفنه النبي صلّى الله عليه وسلّم بجبته وصلى عليه ودعا له، فكان مما قال: «اللهمّ هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا، وأنا عليه شهيد» «٥» . إن هذه الرواية شاهد قوي على ما يبلغه الإيمان من نفس أعرابي ألف حياة الغزو والسلب والنهب في الجاهلية فإذا به لا يقبل ثمنا لجهاده إلّا الجنة، فكيف يبلغ الإيمان إذا من نفوس الصفوة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟.


(١) البخاري- الصحيح ١/ ٢٢٢ (ح ١٢٣) ، ٦/ ٢٨ (ح ٢٨١٠) ، مسلم- الصحيح ٣/ ١٥١٣ (ح ١٥١٣) .
(٢) النسائي- السنن ٥/ ٢٥، ٦/ ٢٥.
(٣) مسلم- الصحيح ١٤٩٥/ ٣ (ح ١٨٧٦) .
(٤) مسلم- الصحيح ٣/ ١٥٠٩- ١٥١٠ (ح ١٩٠١) .
(٥) عبد الرزاق الصنعاني- المصنف ٥/ ٢٧٦.