للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشّرك من قلب من وعاها وعقلها: لا شفاعة إلّا بإذنه. ولا يأذن إلّا لمن رضي قوله وعمله. ولا يرضى من القول والعمل إلّا توحيده، واتّباع رسوله.

فالله تعالى لا يغفر شرك العادلين به غيره كما قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (الأنعام/ ١) ، وأصحّ القولين: أنّهم يعدلون به غيره في العبادة والموالاة والمحبّة، كما في الآية الأخرى:

تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (الشعراء/ ٩٧- ٩٨) ، وكما في آية البقرة:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة/ ١٦٥) .

وترى المشرك يكذّب حاله وعمله قوله؛ فإنّه يقول: لا نحبّهم كحبّ الله، ولا نسوّيهم بالله، ثمّ يغضب لهم ولحرماتهم إذا انتهكت أعظم ممّا يغضب لله، ويستبشر بذكرهم، ويتبشبش به لا سيّما إذا ذكر عنهم ما ليس فيهم من إغاثة اللهفان، وكشف الكربات، وقضاء الحاجات، وأنّهم الباب بين الله وبين عباده، فإنّك ترى المشرك يفرح ويسرّ ويحنّ قلبه، وتهيج منه لواعج التّعظيم والخضوع لهم والموالاة، وإذا ذكرت له الله وحده، وجرّدت توحيده لحقته وحشة، وضيق، وحرج ورماك بتنقّص الإلهيّة الّتي له، وربّما عاداك.

وقد قطع الله تعالى كلّ الأسباب الّتي تعلّق بها المشركون جميعا قطعا يعلم من تأمّله وعرفه: أنّ من اتّخذ من دون الله وليّا، أو شفيعا فهو كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ (العنكبوت/ ٤١) ، فقال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ* وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (سبأ/ ٢٢- ٢٣) فالمشرك إنّما يتّخذ معبوده لما يعتقد أنّه يحصل له به من النّفع، والنّفع لا يكون إلّا ممّن فيه خصلة من هذه الأربع: إمّا مالك لما يريده عباده منه. فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده. فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مترتّبا، متنقّلا من الأعلى إلى مادونه، فنفى الملك، والشّركة، والمظاهرة، والشّفاعة، الّتي يظنّها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشّفاعة بإذنه. فكفى بهذه الآية نورا، وبرهانا ونجاة، وتجريدا للتّوحيد، وقطعا لأصول الشّرك، وموادّة لمن عقلها. والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكنّ أكثر النّاس لا يشعرون بدخول الواقع تحته، وتضمّنه له، ويظنّونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا. وهذا هو الّذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن.

ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا، فقد ورثهم من هو مثلهم، أو شرّ منهم، أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك.

ولكنّ الأمر كما قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: إنّما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا