يقول الشّيخ أبو بكر الجزائريّ فيما يتعلّق بالأصناف الأربعة الأولى: المسلم يؤمن بالله تعالى بمعنى أنّه يصدّق بوجود الرّبّ تبارك وتعالى، وأنّه عزّ وجلّ- فاطر السّموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة ربّ كلّ شيء ومليكه، لا إله إلّا هو، ولا ربّ غيره، وأنّه جلّ وعلا موصوف بكلّ كمال، منزّه عن كلّ نقص، ويؤمن كذلك بربوبيّته لجميع العالمين، كما أنّه يؤمن بألوهيّة الله تعالى لجميع الأوّلين والآخرين، وأنّه لا إله غيره، ولا معبود بحقّ سواه، والمسلم يؤمن أيضا بما لله تعالى من أسماء حسنى، وصفات عليا، ولا يشرك غيره فيها ولا يتأوّلها فيعطّلها، ولا يشبّهها بصفات المحدثين فيكيّفها أو يمثّلها؛ فهو يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأسماء والصّفات، وينفي عنه تعالى ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلّى الله عليه وسلّم من كلّ عيب ونقص إجمالا وتفصيلا.
ويؤمن المسلم بملائكة الله تعالى، وأنّهم خلق من أشرف خلقه وعباد مكرّمون من عباده، خلقهم من نور، كما خلق الإنسان من صلصال كالفخّار، وخلق الجانّ من مارج من نار. وأنه تعالى وكّلهم بوظائف، فمنهم الحفظة على العباد، والكاتبون لأعمالهم، ومنهم الموكّلون بالجنّة ونعيمها، ومنهم الموكّلون بالنّار وعذابها، ومنهم المسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون، وأنّه تعالى فاضل بينهم، فمنهم الملائكة المقرّبون؛ كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومنهم دون ذلك.
ويؤمن المسلم بجميع ما أنزل الله تعالى من كتاب، وما آتى بعض رسله من صحف، وأنّها كلام الله أوحاه الله إلى رسله ليبلّغوا عنه شرعه ودينه وأنّ أعظم هذه الكتب الأربعة «القرآن الكريم» المنزّل على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، و «التّوراة» المنزّلة على نبيّ الله موسى عليه السّلام-، و «الزّبور» المنزّل على نبيّ الله داود- عليه السّلام-، و «الإنجيل» المنزّل على عبد الله ورسوله عيسى عليه السّلام، وأنّ «القرآن الكريم» هو أعظم هذه الكتب، والمهيمن عليها، والنّاسخ لجميع شرائعها وأحكامها، ويؤمن المسلم بأنّ «القرآن الكريم» هو الكتاب الشّامل لأعظم تشريع ربّانيّ، تكفّل منزّله لمن أخذ به أن يسعد في الدّارين، وتّوعّد من أعرض عنه فلم يأخذ به بالشّقاوة في الدّارين، وأنّه الكتاب الوحيد الّذي ضمن الله سلامته من النّقص والزّيادة، ومن التّبديل والتّغيير، وبقاءه حتّى يرفعه إليه عند آخر أجل هذه الحياة.
ويؤمن المسلم بأنّ الله تعالى قد اصطفى من النّاس رسلا وأوحى إليهم بشرعه، وعهد إليهم بإبلاغه لقطع حجّة النّاس عليه- سبحانه- يوم القيامة، وأرسلهم بالبيّنات والهدى، وايّدهم بالمعجزات، ليخرجوا النّاس من الظّلمات إلى النّور.