للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ «١» .

وهكذا وقع، فإنّه من لدن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدا، فإنّه كلام ربّ العالمين الّذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنّى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق؟

وقد انطوى كتاب الله العزيز على وجوه كثيرة من وجوه الإعجاز:

ذلك أنّ القرآن الكريم معجز في بنائه التّعبيريّ وتنسيقه الفنّيّ باستقامته على خصائص واحدة في مستوى واحد لا يختلف ولا يتفاوت ولا تتخلّف خصائصه.

معجز في بنائه الفكريّ وتناسق أجزائه وتكاملها، فلا فلتة فيه ولا مصادفة، كلّ توجيهاته وتشريعاته، تلتقي وتتناسب وتتكامل وتحيط بالحياة البشريّة وتستوعبها وتلبّيها وتدفعها دون أن تتعارض جزئيّة واحدة من ذلك المنهاج الشّامل الضّخم مع جزئيّة أخرى، ودون أن تصطدم واحدة منها بالفطرة الإنسانيّة أو تقتصر عن تلبيتها، وكلّها مشدودة إلى محور وإلى عروة واحدة في اتّساق لا يمكن أن تفطن إليه خبرة الإنسان المحدودة.

معجز في يسر مداخله إلى القلوب والنّفوس ولمس مفاتيحها وفتح مغاليقها واستجاشه مواضع التّأثّر والاستجابة فيها «٢» .

وقد سرد هبة الدّين الحسينيّ الشّهرستانيّ المزايا الإجماليّة للقرآن وهي:

١- فصاحة ألفاظه الجامعة لكلّ شرائعها.

٢- بلاغته بالمعنى المشهور أي موافقة الكلام لمقتضى الحال ومناسبات المقام أو بلاغته الذّوقيّة المعنويّة.

٣- عروبة العبارات الممثّلة لسذاجة البداوة مع اشتمالها على بسائط الحضارة.

٤- توافر المحاسن الطّبيعيّة فوق المحاسن البديعيّة.

٥- إيجاز بالغ مع الإعجاز بدون أن يخلّ بالمقصود.

٦- إطناب غير مملّ في مكرّراته.

٧- سموّ المعاني وعلوّ المرمى في قصد الكمال الأسمى.

٨- طلاوة أساليبه الفطريّة، ومقاطعه المبهجة، وأوزانه المتنوّعة.


(١) سورة البقرة: آية رقم (٢٣، ٢٤) .
(٢) قال در منغم في كتابه «حياة محمد» إن جمال القرآن الأدبي الفائق وقوته النورانية لا يزالان إلى اليوم لغزا لم يحل وهما يضعان من يتلوه- ولو كان أقل الناس تقوى- في حالة خاصة من الحماسة (عن كتاب محمد رسول الله لبشري زخاري ميخائيل ص ٣٤) .