للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ثبت أن الوحي قد نزل عليه أول ما نزل يوم الإثنين «١» . كما أن المشهور أن ذلك قد حصل في شهر رمضان. قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ «٢» . والوحي إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم نظير الوحي الإلهي إلى الأنبياء السابقين، قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً «٣» .

وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التنزيل شدّة «٤» ، وكان جبينه يتفصّد عرقا في اليوم الشديد البرد، وكان وجهه يتغير ويكرب «٥» ، وجسمه يثقل يقول زيد بن ثابت: «فأنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتّى خفت أن ترضّ فخذي» «٦» . وكان يركز ذهنه بشدّة لحفظ القرآن، فيحرك به لسانه وشفتيه، فنزلت الآية:

لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ

«٧» .

كان حرص النبي صلّى الله عليه وسلّم على تبليغ القرآن الكريم يدفعه إلى التعجل في تلقيه والشوق إليه، وقد بيّنت ذلك الآية وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً «٨» .

ولقد أوضح النبي صلّى الله عليه وسلّم كيف يأتيه الوحي حين قال: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس- وهو أشدّه عليّ- فيفصم عنّي وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول» «٩» . وكان الوحي يأتيه في اليقظة كما تدل على ذلك الأحاديث الصحيحة «١٠» .

استغرق نزول الوحي ثلاثا وعشرين سنة، منها ثلاثة عشر عاما بمكة المكرمة وهذا هو المشهور «١١» وعشر سنين في المدينة وهو المتفق عليه «١٢» .

إن ظاهرة الوحي معجزة خارقة للسنن الطبيعية حيث تلقى النبي صلّى الله عليه وسلّم كلام الله- القرآن الكريم- بواسطة الملك جبريل (عليه السلام) ، وبالتالى فلا صلة لظاهرة الوحي بالإلهام أو التأمل الباطني، أو الاستشعار


(١) مسلم- الصحيح ٨/ ٥١- ٥٢، أبو داود- السنن ٢/ ٨٠٨- ٩.
(٢) القرآن الكريم- سور البقرة، الآية/ ٨٥١.
(٣) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية ١٦٣.
(٤) مسلم- الصحيح ١/ ٣٣٠.
(٥) المرجع السابق ٤/ ١٨١٧.
(٦) البخاري- الصحيح ٥/ ١٨٢.
(٧) القرآن الكريم- سورة القيامة، الآيات/ ١٦- ١٩، وانظر: البخاري- الصحيح ٦/ ٧٦، مسلم- الصحيح ١/ ٣٣٠.
(٨) القرآن الكريم- سورة طه، الآية/ ١١٤.
(٩) البخاري- الصحيح ١/ ٣٢، مسلم- الصحيح ٤/ ١٨١٦- ١٨١٧.
(١٠) البخاري- المصدر السابق ١/ ٢- ٣، مسلم- الصحيح ٤/ ١٨١٦- ٧.
(١١) البخاري- الصحيح ٢/ ٢٣٨، مسلم- الصحيح ٤/ ١٨٢٥- ٦ وكلاهما عن ابن عباس- رضي الله عنهما-، وانظر: الحاكم- المستدرك ٣/ ٢ عن طريق علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-.
(١٢) ابن سيد الناس- عيون الأثر ١/ ٨٩.