للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيث قال الله- عزّ وجلّ- لرسوله عليه الصّلاة والسّلام: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم/ ٤) والرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو القائل «إنّما بعثت لأتمّم صالح الأخلاق» «١» . ورواية أخرى «مكارم الأخلاق» .

ووصفت خلقه صلّى الله عليه وسلّم أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- بقولها: «فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن» وعن القرآن قال ابن مسعود- رضي الله عنه- «إنّ هذا القرآن مأدبة الله فتعلّموا من مأدبته» «٢» .

هذا هو الحال في هذه الدّنيا وأمّا في الآخرة فلا يوجد جائزة لمن كان حسن الخلق إلّا الجنّة ونعيمها برفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث يقول: «إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا، الموطّئون أكنافا «٣» ، الّذين يألفون ويؤلفون، وإنّ أبعدكم منّي مجلسا يوم القيامة الثّرثارون «٤» المتشدّقون «٥» المتفيهقون «٦» » .

وقال عليه الصّلاة والسّلام: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق» .

وقال عليه الصّلاة والسّلام: «إنّ أحسن النّاس إسلاما أحسنهم خلقا» «٧» .

وقال عليه الصّلاة والسّلام: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «٨» .

ولهذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو الله عزّ وجلّ «اللهمّ كما أحسنت خلقي أحسن خلقي» «٩» .

إنّ العلاقة بين الأدب في التّعامل مع الخلق وحسن الخلق علاقة واضحة لا ريب فيها لأنّ حسن الخلق هو الجانب النّفسي الّذي تنتج عنه الآداب الحميدة وأنواع السّلوك المرضيّة، وحسن الخلق هو الّذي يشكّل قواعد السّلوك أو الأدب مع الخلق.

وقد كشف الصّادق المصدوق الّذي أوتي جوامع الكلم القناع عن القاعدة الأساسيّة الّتي أساسها حسن الخلق وتطبيقها سلوك الأدب مع الخلق عند ما قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» «١٠» .

فمن باب المحبّة لله عزّ وجلّ والإيمان به، والمحبّة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم والتّصديق بما جاء به تؤخذ محبّة الخلق والأدب معهم ومعاملتهم بحسن الخلق ومن قام بذلك حصل على محبّة الله عزّ وجلّ لأنّه يصبح محسنا صابرا طاهرا نقيّا تقيّا، وهنا يحوز المعيّة مع مولاه وينال محبّته ورضاه، قال تعالى وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت/ ٦٩) ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ ١٥٣) .

وآيات حبّ الله للمؤمنين عديدة منها:

وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ ١٩٥) ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة/


(١) مسلم (٢٥٥٣) .
(٢) انظر صفة تلاوة القرآن.
(٣) الموطئون أكنافا:
(٤) الثرثارون: الذين يكثرون الكلام.
(٥) المتشدقون: المتوسعون في الكلام المستهزئون.
(٦) المتفيهقون: المتكبرون.
(٧) مسند أحمد (٦/ ٤٤٦) وأبو داود (٤٧٩٩) .
(٨) أخرجه أحمد بإسناد جيد (٥/ ٨٩- ٩٩) الترغيب والترهيب (٣/ ٤٩) .
(٩) انظر هذه الأحاديث مخرجة في صفة حسن الخلق.
(١٠) البخاري- الفتح (١/ ١٣) .