للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والزكاة والصيام- فعدد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنا به، واتّبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك» ، فرفض النجاشي تسليم المهاجرين لمبعوثي قريش وتعهد بحمايتهم «١» .

ثم لجأت قريش إلى ترويج الاتهامات الباطلة لصد الناس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن ذلك أنهم اتهموه بالجنون.

وفي ذلك نزل قول الله تعالى: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ «٢» . وقد أجابهم الله في سورة القلم ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ «٣» ، وحكى ذلك عنهم في قوله وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ «٤» . واتهموه بالسحر وفي ذلك نزل قوله تعالى: وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ «٥» ، وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً «٦» .

وقد تحير الوليد بن المغيرة فيما يصف به القرآن. فعندما أوشك دخول موسم الحج جمع فريقا من عتاة المعاندين، فقال لهم: «يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضا ... » وعلى الرغم من استبعادهم أنه كاهن أو شاعر أو ساحر إلّا أنهم اتفقوا على أن يقولوا للناس إنه ساحر، لأنه يفرق بين الأقارب، فأنزل الله في الوليد ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ... «٧» ثم أخذوا يتلقون الناس يحذرونهم من أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم وشاء الله أن تصدر العرب من ذلك الموسم وقد شاع بينهم أمر الدعوة وأخبار الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها «٨» وكان مثل هذه المواقف سببا في إسلام الناس في المواسم.

واتهموه بالكذب، وفي ذلك يقول الله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ «٩» .


(١) ابن هشام- السيرة ١/ ٢٠٦- ٢٠٧، أحمد- المسند ١/ ٢٠١- ٢٠٣، البيهقي- دلائل النبوة ٢/ ٣٠١- ٣٠٤، ابن عبد البر- الدرر في اختصار المغازي والسير ص/ ٩٣- ٩٤، الذهبي- السيرة النبوية ص/ ١١٦- ١١٩ وقال الألباني إنّ سنده صحيح، وانظر: محمد الغزالي- فقه السيرة ص/ ١١٥ حاشية رقم (٢) .
(٢) القرآن الكريم- سورة الحجر، الآية/ ٦.
(٣) القرآن الكريم- سورة القلم، الآية/ ٢.
(٤) القرآن الكريم- سورة القلم، الآية/ ٥١.
(٥) القرآن الكريم- سورة ص، الآية/ ٤.
(٦) القرآن الكريم- سورة الفرقان، الآية/ ٨.
(٧) القرآن الكريم- سورة المدثر، الآية/ ١١. وانظر الآيات التي بعد هذه الآية في صفات الوليد.
(٨) ابن هشام- السيرة (٢/ ٣٣٤- ٣٣٧) من رواية ابن إسحاق، ورواه الطبري في تفسيره (١٤/ ١٥٧) من طريق ابن إسحاق أيضا.
(٩) القرآن الكريم- سورة الفرقان، الآية/ ٤. وانظر تفسيرها في زاد المسير (٦/ ٧٢- ٧٣) . قال مجاهد في قوله وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ: يعنون اليهود. وقال مقاتل: أشاروا إلى عداس مولى حويطب ويسار غلام عامر بن الحضرمي وحبر مولى لعامر أيضا، وثلاثتهم من أهل الكتاب.