للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا أن المتصوفة مزجوا ذكرهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعقائدهم، وبرموزهم التي تستغلق على المطلع، والتي لا يعرف مدلولاتها إلا من تشبع بمبادئهم ورياضاتهم الروحية، فابن عربي يقول:

يا أهل يثرب لا مقام لعارف ... ورث النّبيّ الهاشميّ محمّدا

عمّ المقامات الجسام عروجه ... وبذاك أضحى في القيامة سيّدا

صلّى عليه الله من رحموته ... ومن أجله الرّوح المطهّر أسجدا

لأبيه آدم والحقائق نوّم ... عن قولنا وعن انشقاق قد هدى

فجوامع الكلم التي أسماؤهما ... في آدم هي للمقرّب أحمدا «١»

ويتضح من شعر ابن عربي أنه يمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من منطلق عالم الصوفية الغيبي، فالمتصوفة لا يتحدثون عنه إلا ضمن عالم الغيب الذي بنوه لأنفسهم، لذلك يتضح من شعرهم جانب، ويغمض جانب، وهم يدورون داخل نطاق الحقيقة المحمدية، لا يخرجون عنها، وحين بذكر ابن عربي الرسول الأمين مادحا يذكره ضمن قصائد تتحدث عن طريقته، أو ضمن مقطوعات صغيرة، بدأها واضحا، ثم استغرق في إبهام لا يحسن تفسيره إلا المتصوفة أنفسهم، وكأنه يعطي السامع أو القارئ ما يدل على الموضوع، ويسير به شيئا فشيئا إلى عالمه الخاص، ومن ذلك قوله:

صلّى عليه الله من سيّد ... لولاه لم نعلم ولم نهتد

قد قرن الله به ذكره ... في كلّ يوم، فاعتبر ترشد

عشر خفيّات وعشر إذا ... أعلن بالتّاذين في المسجد

فهذه عشرون مقرونة ... بأفضل الذّكر إلى الموعد «٢»


(١) ابن عربي: الديوان الأكبر ص ٧٩.
(٢) المصدر نفسه: ص ٢٤.

<<  <   >  >>