للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه طريقة معظم المتصوفة في مدح الرسول الكريم، ولنر كيف نظم ابن عربي الحديث الشريف «أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر» «١» ، فقال على لسان النبي:

الله يعلم والدّلائل تشهد ... أنّي إمام العالمين محمّد

لكن لنا وقت تراقب كونه ... فإذا أتى فالسّلك فيه مهنّد «٢»

إنهم لا يستطيعون أن يخرجوا عن عالمهم الغامض، الذي يشفّ أحيانا، فيزيد الشعر عذوبة ورقة وسموا، ويزيد فيستحيل الشعر إلى طلاسم ورموز، لا ندري لها فكاكا، وقد يتحدثون عن النبي الكريم فلا نعلم إلا بعد لأي، أو من سياق القصيدة.

لذلك لا نجد عند كبار المتصوفة مدحا خالصا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنهم استغرقوا في عالمهم الغيبي وفي إظهار معتقدهم، وإذا خرجوا عن ذلك جاؤوا إلى قصائد الهيام والحب الإلهي برموز أشهرها الغزل المبطن، الذي ظاهره غزل في محبوبة، وباطنه غزل بالذات الإلهية وهيام بحبها وفناء فيها.

وفي قصائد الغزل والهيام عند المتصوفة، يلفت النظر موضوع أضحى فيما بعد من لوازم المدحة النبوية وهو التشوق إلى الأماكن المقدسة والتغزل بالكعبة والحنين إلى البقاع التي شهدت بعثة النبي الكريم ونزول الوحي، ولذلك قلما تخلو قصيدة لمتصوف من ذكر المقدسات، وكأنهم قد استعاضوا بها عن ذكر المقدمات الطللية، وذكر المنازل والرحلة في الشعر العربي.

فالتشوق إلى المقدسات الذي رأيناه عند الشريف الرضي، والذي كان حنينا إلى الحجاز، موطن آبائه وأجداده، والذي نظمه بعض الشعراء في حنينهم إلى قضاء فريضة الحج، وفي أثناء توجههم لأدائها، صار في هذا العصر فنا قائما بذاته، تنظم فيه القصائد


(١) صحيح مسلم ص ١٣٨٢ ومسند الإمام أحمد: ١/ ١٦١.
(٢) ابن عربي: الديوان الأكبر ص ٢٣.

<<  <   >  >>