للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المستقلة، التي تذوب رقة وعذوبة، وتتقد شوقا وحنينا إلى البقاع التي رفع الله قدرها، وجعل زيارتها فرضا على كل مسلم، وفيها يفصح الشعراء عن مشاعرهم الدينية وعواطفهم السامية ويظهرون مقدرتهم الفنية، فلا توجد روايات وأحاديث، يضطرون إلى نظمها فيسيؤون إلى الرواء الشعري، ولا يوجد من يفرض عليهم هذا اللون من الشعر، ولا يتملّقون به أحدا، فجاء نظمهم لهذا الفن حرا، يضع فيه الشاعر كل ما أوتي من شفافية ومقدرة فنية، لذلك شارك فيه الشعراء على خلاف مذاهبهم ومشاربهم، وحتى الشعراء الفاطميون افتتحوا بعض قصائدهم في مدح الخلفاء بذكر المقدسات والتشوق إليها، مثل قول المؤيد داعي الدعاة في مطلع قصيدة:

هلمّ إلى الأرض المقدّسة التي ... بساحتها سكّانها أمنوا الموتا

إلى علم الإيمان والقبلة التي ... عليها بلا شكّ دللت ووجّهتا «١»

وللشاعر الأجلّ «٢» قصيدة في مدح الخليفة الناصر، بدأها على النحو التالي:

حلفت بأعلام المحصّب من منى ... وما ضمّ من نسك حجون وأبطح

وبالجمرات السّبع تلقي رماتها ... بإلقائها الأوزار عنها وتطرح

وبالبدن تهدى كالهضاب توامكا ... تقلّد من أرسانها وتوشّح

وقد أخذت منها الجنوب مصارعا ... وأذعن للجزّار نحر ومذبح

وبالوفد ميلا في الرّجال كأنّما ... سقاهم سلاف الرّاح ساق مصبّح

إذا قطعوا في طاعة الله صحصحا ... بدا لهم فاستأنفوا السّير صحصح «٣»


(١) ديوان المؤيد داعي الدعاة: ص ٢٩٢.
(٢) الأجلّ: أسعد بن إبراهيم بن حسن النشابي، ولد باربل وانتقل إلى الشام، وولي كتابة الإنشاء لصاحب إربل، وأنفذه رسولا إلى الخليفة المستنصر، فخدم في بغداد، توفي سنة (٦٥٦ هـ) . ابن شاكر: فوات الوفيات ١/ ١٦٥.
(٣) ديوان شعر الأجل: ص ٨١.

<<  <   >  >>