للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالأجلّ لم يكتف في تقديمه لمدح الخليفة بذكر الأماكن المقدسة والقسم بها، بل جمع إليها بعض مناسك الحج، ووصف الراحلين إلى الحجاز، فأظهر ما هم عليه من تقوى وسرور لتجشمهم عناء السفر في طاعة الله وفوزهم بأمانيهم، وكأنه بدأ بذكر الديار المقدسة وثنى بذكر الرحلة إليها، ليلائم بين مقدمته هذه التي تناسب مقام الممدوح الديني، وبين مقدمات المديح التقليدية التي تبدأ بذكر الديار وتثني بذكر الرحلة.

إن انتشار ذكر الأماكن المقدسة وإظهار التشوق إليها، جعل شعراء ليس لهم أي توجه ديني يوردونه، وربما جاروا غيرهم من الشعراء المتصوفة، لظنهم أن تلك الطريقة في التعبير، تسترعي الانتباه أكثر من غيرها وتثير مشاعر الحنين عند المتلقين فيتمّ تجاوبهم العاطفي مع الشاعر.

ومما شجع على انتشار المديح النبوي، واكتماله في هذا العصر، ظهور الاحتفالات بمولد النبي الكريم وما تحتاجه هذه الاحتفالات من شعر ينشد فيها، يمجّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صاحب هذه الذكرى، وينبه على قدره السامي.

وكان الفاطميون يقيمون موالد متعددة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وغيرهم من آل البيت- رضوان الله عليهم-، وهذه الموالد ذكّرت الشعراء بما يجب عليهم اتجاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ويقال إن أول من احتفل بالمولد النبوي هو مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل وصهر صلاح الدين الأيوبي الذي توفي سنة (٦٣٠ هـ) «١» .

وفي هذه الأثناء انتشر الاحتفال بالمولد النبوي بين شرق البلاد العربية الإسلامية وغربها، وكان يحتفل به احتفالا صاخبا، يشارك فيه أصحاب الأمر وأعوانهم، والفقهاء والمتصوفة والوعاظ والقراء والمنشدون، وسيمر معنا عند الحديث عن المولد النبوي تفصيل هذه الاحتفالات وما ألّف في المولد وما نظم فيه.


(١) ابن الوردي: تتمة المختصر ٢/ ٢٣٥.

<<  <   >  >>