للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول في ممدوحه، وفيما أحرزه من عزّ لبني جلدته:

بنيت للعجم المجد المبلّغهم ... مجدا بناه رسول الله للعرب «١»

فكأن سيرة النبي الكريم وأحواله حضارة دائما في ذهن ابن حيوس وأمثاله، يلتقط منها ما يناسب موضوعه ليتمثل بها ويحتج لكلامه، وليس هناك أبلغ وأصدق من التمثل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أقواله وأفعاله.

وقد ظهرت في هذا العصر مدائح نبوية متكاملة، عدت بداية فن المدائح النبوية، وإن كنا نجد مدائح نبوية سابقة لهذا العصر، لكنها كانت قليلة ومتباعدة، ولم تشكل ظاهرة أدبية، ولكنها في هذا العصر، وخاصة في المرحلة الأيوبية، كثرت، وأضحى المديح النبوي فنا أدبيا مستقلا بذاته، يشارك فيه معظم الشعراء.

وقد تداخل العصر الأيوبي مع العصر المملوكي، لأن معظم الشعراء الذين نظموا في المديح النبوي عاشوا شطرا من حياتهم في دولة بني أيوب، وأمضوا الشطر الآخر في دولة المماليك، والظواهر الاجتماعية والأدبية لا تخضع في تقسيمها للتقسيم السياسي، وإن الأخذ في تقسيم عصور الأدب وتطوره حسب تعاقب الدول لا يهدف إلا لتسهيل الدراسة، ليس إلا. فإن أي تغير سياسي أو اجتماعي، لا يستجيب له الأدب إلا بعد مدة مناسبة من الزمن، فالأدباء يظلون على تقاليدهم الأدبية التي نشؤوا عليها، ويحتاج الجديد إلى وقت ليختمر في النفوس، وليتمثّله الأدباء ومن ثم ليرتد إلى خارج النفس على شكل إبداع أدبي.

ولذلك نجد البدايات في قصائد المديح النبوي قصائد معارضة لقصائد مدح فيها النبي الأمين في حياته تهيّبا من الإقدام على مثل هذا العمل الجليل، وخوفا من الوقوع في الخطأ وقلّة الانتباه، وللتدرب على كيفية الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومخاطبته قبل


(١) ديوان ابن حيوس: ص ٧٣.

<<  <   >  >>