للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يعبّر الشاعر تعبيرا ذاتيا محضا في الشكل والمضمون عما يكنه للرسول الكريم من مشاعر الحب والتقديس، ومن هذه القصائد قصيدة لابن الساعاتي «١» في معارضة قصيدة كعب بن زهير بدأها بقوله:

جدّ الغرام وزاد القال والقيل ... وذو الصّبابة معذور ومعذول «٢»

وقد مزج في مقدمة قصيدته بين الغزل وذكر ديار المحبوبة، ووصف الرحلة، دون أن يفرق بينها، ففارق كعبا في ذلك مثلما فارقه في طبيعة الغزل وفي الأسلوب الذي نحا فيه منحى الصنعة التي تفشت في أيامه، حتى إذا استنفذ المقدمة التي بثّ فيها لواعجه وحنينه، أظهر ما بنفسه من حزن، لأن له أعداء ينتقصون منه، فيرد عليهم قائلا:

يا حاسدا نال من فضلي بمنقصة ... عليك نفسك إنّ الجهل مفضول

حسبي الثلاثة بالتّبريز شاهدة ... البيد واللّيل والعيس المراسيل

وكيف أخمل في دنيا وآخرة ... ومنطقي ورسول الله مأمول

وهكذا أنهى مقدمته بالرد على منتقصيه والفخر بنفسه، واتخذ هذا مدخلا إلى مديح النبي صلّى الله عليه وسلّم مدحا دينيا خالصا، لم يخلطه بالمعاني التقليدية التي درج الشعراء على مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها، والتي حفلت بها قصيدة كعب التي يعارضها ابن الساعاتي، فقال:

هو البشير النّذير العدل شاهده ... وللشّهادة تجريح وتعديل

لولاه لم تك شمس لا ولا قمر ... ولا الفرات وجاراها ولا النّيل


(١) ابن الساعاتي: علي بن محمد بن رستم، شاعر مشهور، خرساني الأصل، ولد ونشأ في دمشق، وكان أبوه يعمل الساعات فيها، تعاني الخدمة ومدح الملوك، وسكن مصر، له ديوان شعر. ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب ٥/ ١٣.
(٢) ديوان ابن الساعاتي: ص ٤٧.

<<  <   >  >>