للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصبح الدّين قد حفّت جوانبه ... بعزّة النّصر واستعالى على الملل

تعرّقت منه أعراق العراق ولم ... يترك من التّرك عظاما غير منتثل «١»

لم يبق للفرس ليث غير مفترس ... ولا من الحبش حبش غير منجفل

وما أن يفرغ من الإشادة بما حققه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من انتصارات، وبما حققه المسلمون من فتوحات حتى يتوجه إلى الرسول الكريم متشفعا فيقول:

نحلتك الودّ عليّ إذ نحلتكه ... أحبى بفضلك منه أفضل النّحل

ولولا هذه الخاتمة التي يظهر فيها الشاعر لما اختلفت القصيدة في شيء منها عن المتون العلمية، وعن المنظومات التعليمية، فليس للشعر في هذه القصيدة نصيب كبير، خاصة مع طغيان الصنعة الثقيلة عليها.

وقد اقتدى كثير من الشعراء، والعلماء منهم خاصة، بهذه القصيدة فأصبحت مدائحهم في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منظومات تسرد سيرة الرسول الأمين ومعجزاته.

وهكذا يظهر لنا بوضوح أن فن المديح النبوي قد تكامل في هذا العصر، وانتشر في جميع الأقطار العربية، وتعددت مذاهبه وطريقة تناوله، وافتن الشعراء في شكل القصيدة وأسلوبها.

وقد بدأ هذا الفن على عهد الرسول الكريم، فمدحه الصحابة بقصائد أضحت مثالا يحتذى للشعراء فيما بعد، لكن المديح النبوي في حياة الرسول الأمين لا يدخل ضمن المدائح النبوية التي ضمّها هذا الفن، فهي قيلت في حياته، وهو موجود يسمع ويكافئ، فالعبرة في فن المديح النبوي أنه قيل بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم بزمن طويل، وهنا جاءت المفارقة في مديح الميت، وفي أسباب هذا المديح وأهدافه.


(١) منتثل: مستخرج.

<<  <   >  >>