للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا ظبية البان ترعى في خمائله ... ليهنك اليوم أنّ القلب مرعاك

الماء عندك مبذول لشاربه ... وليس يرويك إلّا مدمعي الباكي

هبّت لنا من رياح الغور رائحة ... بعد الرّقاد عرفناها بريّاك

سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك «١»

وإذا كان الشعراء العرب جميعا قد اتخذوا من ذكر الديار مقدمات لقصائدهم، فإن شعراء الشيعة قد اتخذوا من ذكر الأماكن المقدسة في الحجاز مقدمة لقصائد تشيعهم، وصار ذكر الأماكن المقدسة من لوازم قصائد الشيعة مدحا ورثاء وفخرا، يفتتحون بذكرها قصائدهم، ويحملونّها أشواقهم وعواطفهم، ويؤكدون من خلال ذلك أصالة آل البيت وفضلهم وحقهم في الخلافة، فعند ما رثى الصاحب بن عباد أحد العلويين، لم يجد أكثر من الأماكن المقدسة تأثيرا في النفس واستنهاضا للهمم، حين تشارك الناس في البكاء عليه فقال:

تبكيه مكّة والمشاعر كلّها ... وحجيجها والنّسك والإحرام

تبكيه طيبة والرّسول ومن بها ... وعقيقها والسّهل والأعلام «٢»

ومثلما تعلق الشيعة بالأماكن المقدسة، لأنها موطن آباء الهاشميين، فإن المتصوفة تعلقوا بها أيضا، لأنها تمثل أقدس أقداسهم، فهي شهدت البعثة والوحي، أو اتصال الأرض بالسماء، ذلك الاتصال الذي يسعون إليه بكل طاقاتهم، ولأن الأماكن المقدسة خير ما يستفتتحون بذكرها قصائدهم الدينية التي يتشوقون بها ويظهرون مواجدهم


(١) ديوان الشريف الرضي: ٢/ ٥٩٣.
(٢) الثعالبي: يتيمة الدهر ص ٢٨٦.

<<  <   >  >>