للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحدّثني زيد عن البان والحمى ... أحاديث يحلو ذكرها ويطيب

فقلت لزيد إنّها لبشارة ... وإنّي لنشوان بها وطروب «١»

لكن ذكر الأماكن المقدسة ظل- في الغالب- على حرمته، لا يخرج به الشعراء عما يتركه في النفس من شجى وشوق ومشاعر سامية، وإن امتزج بالغزل، فالغزل يظل رمزيا.

وعند اتساع المديح النبوي، ورسوخه رسوخ فن مستقل له أصوله ومقوماته، صار ذكر الأماكن المقدسة والتشوق إليها أصلا من أصول هذا الفن، ومن لوازمه، يقدم به الشعراء لقصائد مديحهم النبوية، ويجعلونه بديلا لذكر الأطلال والديار في قصائد المديح التقليدية، مثل افتتاح محمد بن علوان الصنعاني «٢» لمدحة نبوية بقوله:

أهدت نسيم الصّبا في طيبها خبرا ... عن أهل طيبة لمّا أن سرت سحرا

فاستنشق الصّبّ منها نفحة فغدا ... يميل سكرا ولا والله ما سكرا «٣»

فالشاعر أراد استمالة سامعيه بذكر المكان المناسب لموضوعه، وبذلك الأثر الذي يتركه في نفوس المتلقين، وبنشوة التقوى التي يحملها النسيم من مدينة رسول الله، فيتهيّأ المتلقون لسماع قصيدته، ويدخلون في الجو القدسي الذي يلائم مقام النبي.

وقدم الكارمي (عبد اللطيف) «٤» لمدحته النبوية بذكر بعض المعاهد الحجازية، ممزوجا بالغزل الرمزي، الذي يرقّق عواطف السامع، ويأخذه إلى عالم عابق بالتقوى والقداسة، وهو ما يلائم موضوع القصيدة، ويستميل القلوب، ويشحن الوجدان بالمشاعر الدينية السامية، فقال:


(١) ديوان البهاء زهير ص ١٠.
(٢) محمد بن علي الصنعاني، ولد بصنعاء وتحول إلى مكة وتردد إلى دمشق سنة ٧٢٢ هـ. الدرر الكامنة: ٤/ ٥١.
(٣) ابن حجر: الدرر الكامنة ٤/ ٥١.
(٤) عبد اللطيف بن محمد بن مسند الكارمي التاجر، سمع وحدث وأوقف أوقافا، توفي سنة ٧١٤ هـ. الدرر الكامنة: ٢/ ٤١٠.

<<  <   >  >>