للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لي بالأجيرع دون وادي المنحنى ... قلب تقلّبه الصّبابة والضّنا

أتبعتهم يوم استقلّت عيسهم ... بحشاشة ألفت معاناة العنا

ونثرت من جفني عقيق مدامع ... حين التّفرّق فاستحالت أعينا «١»

وكان لحنين المغاربة وتشوقهم للأماكن المقدسة، لون خاص، نبع من بعد بلادهم عن الحجاز، وما يتجشمونه في الرحلة إليه، فكان الوصول إلى الأماكن المقدسة عندهم غاية لا تدرك، وأمنية الأماني، وخاصة في الأوقات التي ينقطع فيها الطريق، وتحفّه المخاطر في البر والبحر.

وقد سكنت في مسامعهم أسماء الأماكن التي شهدت انبثاق الدين السامي، وشهدت صراع المسلمين مع المشركين وتقلّب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينها، داعيا مجاهدا متلقيا لوحي السماء، وبانيا أسس الدولة العربية الإسلامية.

لذلك يجتاحهم شوق جارف لرؤية هذه الأماكن، فإذا قعدت ببعضهم الموانع عن تحقيق رغبتهم الملحة التي تسكن نفوسهم، يكون حالهم مثلما وصفه ابن العريف «٢» في قوله:

شدّوا المطيّ وقد نالوا المنى بمنى ... وكلّهم بأليم الشّوق قد باحا

سارت ركائبهم تندى روائحها ... طيبا بما طاب ذاك الوفد أشباحا

نسيم قبر النّبيّ المصطفى لهم ... روح إذا شربوا من ذكره راحا

يا واصلين إلى المختار من مضر ... زرتم جسوما وزرنا نحن أرواحا


(١) ابن حجر: الدرر الكامنة ٢/ ٤١٠.
(٢) ابن العريف: أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي فاضل شهر بالصلاح، له مشاركة في العلوم وشعر، صنف كتاب (محاسن المجالس) على طريق القوم، توفي سنة (٥٢٦ هـ) . ابن العماد الحنبلي: شذرات الهذب ٤/ ١١٢.

<<  <   >  >>