للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الراسخة، وقد نقل المؤرخون كثيرا من أوصاف الاحتفال بالمولد النبوي في أقطار مختلفة متباعدة، وكلها متشابهة تقريبا، فصاحب إربل الذي عزيت إليه بداية الاحتفال بالمولد النبوي، أو وضع شعائر هذا الاحتفال، كان احتفاله به يقصر الوصف عن الإحاطة به، «كان الفقهاء والصوفية والوعاظ والقرّاء والشعراء يتوافدون إليه من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول، فيعمل القباب ويزيّنها ويقعد في كل قبة جوق من المغاني، وجوق من أرباب الخيال وأصحاب الملاهي، يتفرج عليها الناس، ويفعل هو كذلك، ثم يخرج الإبل والبقر قبل المولد بيومين، ويزفّها بالطبول والمغاني والملاهي، حتى يأتي بها إلى الميدان وينحرها ويطبخها، فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة، ثم ينزل وبين يديه الشموع المشتعلة ... فإذا كان صبيحة يوم المولد، أنزل الخلع من القلعة إلى الخانقاه على أيدي الصوفية، ثم ينزل إلى الخانقاه حيث تجتمع الأعيان والرؤساء وطائفة كبيرة من بياض الناس، وينصب (كرسي) للوعاظ، ويعرض الجند في ذلك النهار، ثم يقدم الطعام لعامة الناس، وللمجتمعين عند الكرسي، ويخلع على المتوافدين عليه، ويبيت تلك الليلة هناك، ويعمل السماعات إلى بكرة» «١» .

ويظهر أن ابن دحية «٢» قد وصل إلى إربل، فرأى اهتمام صاحبها بالمولد النبوي، فعمل له كتاب «التنوير في مولد السراج المنير» «٣» .

فإذا كان هذا حال صاحب إربل مع الاحتفال بالمولد النبوي، فكيف يكون حال المماليك الذين حرصوا على مظاهر البذخ والعظمة في كل عمل من أعمالهم؟


(١) ابن خلكان: وفيات الأعيان ٤/ ١١٧.
(٢) ابن دحية الكلبي: عمر بن الحسن بن علي، أديب مؤرخ حافظ للحديث، رحل من الأندلس واستقر بمصر من كتبه (نهاية السول في خصائص الرسول) و (التنوير في مولد السراج المنير) توفي سنة (٦٣٣ هـ) . ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب ٥/ ٢٦٠.
(٣) ابن خلكان: وفيات الأعيان ٤/ ٣١٢.

<<  <   >  >>