للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد حرص المؤرخون على ذكر الاحتفال بالمولد النبوي في كل سنة من سنوات حكم المماليك الذين اهتموا به اهتماما كبيرا، وحرصوا على المشاركة به، وإظهار تقواهم وتعظيمهم لصاحب المناسبة، وكرمهم مع رجال الدين والعامة، فكان السلطان يقيم خيمة المولد، و «تقام أحواض العصير، يبدأ الاحتفال عند الظهر وينتهي عند ثلث الليل، فيتعاقب القارئون والمنشدون والوعاظ، وتمد الأسمطة بأنواع الحلوى والمأكولات، وعند ثلث الليل يبدأ السماع الذي يستمر حتى الفجر، فتأتي طوائف الصوفية، طائفة بعد طائفة، ويستمرون في الذكر، والسلطان جالس في صدر الخيمة، كذلك يترقب عامة الناس المولد، ليقيموا الولائم، ويتصدقوا على الفقراء، ويظهروا السرور» «١» .

وهكذا انتشرت الاحتفالات بالموالد النبوية بين المسلمين، فكانوا يستمعون فيها إلى قراءة القرآن الكريم والمواعظ وأناشيد المتصوفة والمدائح النبوية، ويقيمون الولائم، ويوسعون على أنفسهم وعلى فقرائهم في الطعام والحلوى والأشربة، ويتصدقون، ويظهرون السرور، وكان يشارك في هذا الاحتفال جميع الناس من السلطان إلى من لا شأن له في المجتمع، فهي مناسبة للتضامن الاجتماعي، ومناسبة لتقرب الحاكمين من المحكومين، ومناسبة مفرحة للفقراء الذين لا يجدون ما يمسك رمقهم.

لكن هذا الانتشار السريع للاحتفال بالمولد النبوي لم يمرّ بسلام، فقد وقف بعض علماء الدين ضد الاحتفال به، وعدوه بدعة غير مستحبة، لأن الاحتفال به اختلط ببعض التصرفات التي لا تتفق مع روح الدين، مثل الإفراط بالزينة، وإقامة الملاهي، واستغلال المناسبة لأغراض سياسية أو للتظاهر والتباهي، ويظهر أن الظواهر السلبية كانت ترافق الاحتفالات بالموالد النبوية منذ وقت مبكر، إذ كان أولي الأمر يعتسفون في تحصيل المال، ويظلمون الناس من أجل البذخ في الاحتفالات الدينية، وكان بعض العلماء على حذر من كل بدعة.


(١) عاشور: العصر المماليكي في مصر والشام ص ٣٢١ والمقريزي: السلوك ص ١١٦٢ وابن إياس: بدائع الزهور ٢/ ٤٩٤.

<<  <   >  >>