للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أحيان كثيرة أضافوا إلى المعاني التقليدية في وصف الرحلة والراحلة معاني الشوق والحنين إلى الأماكن المقدسة، والوجد والحب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومثال ذلك قول البوصيري:

سارت العيس يرجعن الحنينا ... ويجاذبن من الشّوق البرينا

داميات من حفى أخفافها ... تقطع البيد سهولا وحزونا

وعلى طول طواها حرمت ... عشبها المخضّر والماء المعينا

كلّما جدّ بها الوجد إلى ... غاية لم تدرها إلّا ظنونا «١»

فشعراء المديح النبوي استخدموا المعاني التقليدية التي تواضع عليها الشعراء الذين سبقوهم، فلو استقصينا كتابا في المعاني مثل كتاب محاضرات الأدباء، الذي حاول مؤلفه تتبع معاني الشعر العربي والتمثيل لها، وتمعّنا في معاني المديح والغزل وذكر الأطلال ووصف الرحلة، ووصف المعارك، والحديث عن النفس والتوبة، لرأينا أن هذه المعاني لم تكن جديدة في شعر المديح النبوي، وأن شعراء المدائح النبوية لم يخترعوها أو يوجدوها من العدم، وإنما هي مستقاة مما قيل عن هذه المعاني في التراث الأدبي العربي، وكل ما فعله شعراء المديح النبوي، هو أنهم نقلوا هذه المعاني من موضوع إلى موضوع، وسموا بها إلى المقام النبوي الشريف، وأعادوا صياغتها وطريقة استخدامها، وأضافوا إليها إضافات بسيطة، لوّنوها بها، فظهرت جديدة نوعا ما، إلى جانب ما استقوه من السيرة والحديث الشريف، ومتابعة بعضهم بعضا.

لقد لاحظ أدباء العصر المملوكي صعوبة الابتداع، لأنهم وجدوا أنهم مسبوقون إلى المعاني، لكن ذلك لم يدفعهم إلى اليأس، ففي المقدمة الغزلية للمدحة النبوية، نجد شعراء يذكرون معاني اعتاد سابقوهم ذكرها في مقدمات قصائدهم المدحية، أو في


(١) ديوان البوصيري: ص ٢٥٧.

<<  <   >  >>