للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البديعة في هذا الكم الهائل من شعر المديح النبوي، وإلا بعد أن ترتب جميع المدائح النبوية ترتيبا زمنيا، ليتضح متى ظهر هذا المعنى أو ذاك أوّل مرة، ومن الذي ابتدعه، فمعاني المديح النبوي سرعان ما تنتشر بين مدّاح النبي صلّى الله عليه وسلّم في مشرق الأقطار العربية الإسلامية ومغربها.

واستطاع بعض شعراء المديح النبوي أن يولّدوا من المعاني القديمة التقليدية معاني تكاد تكون بديعة جديدة، بفضل تطور استخدامها عبر الزمن، وبفضل الألوان التعبيرية المستجدة، فمن المقدمة الغزلية لقصيدة المدح التقليدية إلى الغزل الرمزي عند المتصوفة، الذي يخرج بالغزل المعروف عند الشعراء العرب عن آفاقه المعهودة ومراميه المعروفة، إلى الغزل الذي أضحى مقدمة للمدحة النبوية بشروط تواضع عليها شعراء المديح النبوي، نجد بعض المعاني التي جمعت بين التعبير الغزلي، ومضمون التشوق الديني للأماكن المقدسة، مثل التغزل بالكعبة المشرفة، فإن شعراء المدائح النبوية استطاعوا أن يجمعوا في الحديث عنها بين التعابير الرقيقة التي اعتاد عليها الشعراء، وبين مشاعر الشوق والحنين والتقديس لها برمزية شفافة، فجاءت المعاني بإيحاآت الألفاظ التي تعبّر عنها طريفة، فيها شيء من الجدّة، كقول ابن الزملكاني في مخاطبة الكعبة:

أهواك يا ربّة الأستار أهواك ... وإن تباعد عن مغناي مغناك «١»

وقول العزازي «٢» :

دمي بأطلال ذات الخال مطلول ... وجيش صبري مهزوم ومفلول «٣»

فرّبة الأستار هي الكعبة التي تتسابق الأقطار الإسلامية إلى صنع كسوتها وأستارها، وهي نفسها ذات الخال، وهو الحجر الأسود الذي يسعى المسلمون إلى لمسه وتقبيله والتبرّك به.


(١) الصفدي: الوافي بالوفيات ٤/ ٢١٧.
(٢) العزازي: شهاب الدين أحمد بن عبد الملك التاجر، الشاعر المشهور، كان جيد النظم في الشعر والموشحات، ت (٧١٠ هـ) . ابن شاكر: فوات الوفيات ١/ ٩٥.
(٣) ابن تغري يردي: المنهل الصافي ١/ ٣٤١.

<<  <   >  >>