للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدينية في نفوس السامعين، لذلك افتتح به كثير من شعراء المدائح النبوية قصائدهم، متجاوزين الوقوف على الأطلال، مظهرين براعتهم في استمالة النفوس إلى نفثات أرواحهم، وإلى إجادتهم للنسيب الرمزي الذي ترتاح إليه القلوب، ويزداد هذا الشوق حرقة وتأججا، حين يجد الشاعر موانع قاسية تحول بينه وبين الوصول إلى الحجاز، وخاصة حين يكون بلده بعيدا جدا عنه، مثل المغاربة الذين كانوا يكابدون مشقات جمّة للوصول إلى الحجاز، فابن سعيد «١» وصل بعد جهد وعناء إلى الإسكندرية، لكنه تعذّر عليه الحج، فنظم فيها مدحة نبوية أودعها شوقه وحنينه، وافتتحها بقوله:

وارحمة لمتيّم ذي غربة ... ومع التّغرّب فاته ما يقصد

قد سار من أقصى المغارب قاصدا ... من لذّ فيه مسيره إذ يجهد

لا طاب عيشي أو أحلّ بطيبة ... أفقا به خير الأنام محمّد «٢»

وإن كان ابن سعيد قد لمّح إلى سبب شوقه ووجده، وتجشمه المصاعب، فإن النواجي «٣» قد بدأ مدحته النبوية ببيان سبب الشوق، ودواعي الرحيل، فقال:

إليك رسول الله جبنا الفلا وخدا ... ولولاك لم نهو العقيق ولا الرّندا

ولولا اشتياقي أن أراك بمقلتي ... لما كنت أشتاق الغوير ولا نجدا «٤»


(١) ابن سعيد: علي بن موسى، ورد من المغرب وجال في الديار المصرية والعراق والشام، جمع وصنّف ونظم، وهو صاحب كتاب (المغرب في أخبار المغرب) و (المرقص والمطرب) توفي بدمشق سنة (٦٧٣ هـ) . ابن شاكر: فوات الوفيات ٣/ ١٠٣.
(٢) المقري: نفح الطيب ٢/ ٣١٣.
(٣) النواجي: محمد بن حسن بن علي بن عثمان، عالم بالأدب، نقّاد، له شعر، مولده ووفاته بالقاهرة؛ له كتاب (حلية الكميت) وكتاب (المطالع الشمسية في المدائح النبوية، توفي سنة (٨٥٩ هـ) . السخاوي: الضوء اللامع ٧/ ٢٢٩.
(٤) المجموعة النبهانية: ٢/ ٤١.

<<  <   >  >>