للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولأنها قصيدة أصيلة قديمة، احتفل لها كعب بن زهير أيّما احتفال، فمعارضتها تعطي الشاعر معرفة بالشعر العربي الأصيل، ويفيد منها شكلا ووزنا وقافية، وطريقة التعبير الرصين، ولذلك قلّما نجد شاعرا من شعراء المديح النبوي لم يعارض هذه القيدة، فللبوصيري قصيدة في معارضتها، سمّاها (ذخر المعاد في وزن بانت سعاد) ، عرضنا لأمثلة منها.

ولابن نباتة قصيدة في معارضتها، بدأها بقوله:

ما الطّرف بعدكم بالنّوم مكحول ... هذا وكم بيننا من ربعكم ميل

ما يمسك الهدب دمعي حين أذكركم ... إلّا كما يمسك الماء الغرابيل

وبعد أن يتغزل على طريقة كعب، يضيف إلى مقدمته الوعظ وذكر الأماكن المقدسة، وينتقل إلى المدح مثل انتقال كعب، فيقول:

إن لم أنل عملا أرجو النّجاة فلي ... من الرّسول بإذن الله تنويل

ويسهب في مدحه مضيفا المعجزات، والصنعة التي عرفت في عصره، حتى إذا وصل إلى الخاتمة، صرّح بمعارضته لكعب، فقال:

إن كان كعب بما قد قال ضيفك في ... دار النّعيم فلي في الباب تطفيل

وأين كابن زهير لي شذا كلم ... ربيعها بغمام القرب مطلول «١»

ألا تعني هذه المعارضة أن الشكل الشعري لقصيدة ابن نباتة مأخوذ عن الشكل الشعري لقصيدة كعب، وهو بذلك شكل تقليدي، ليس للشاعر المعارض فيه غير بعض إضافات، لا تحجب الشكل الأساس للقصيدة الأصلية؟


(١) ديوان ابن نباتة: ص ٣٧٢.

<<  <   >  >>