للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتتفاوت معارضات قصيدة كعب بتفاوت حظ الشعراء من الشاعرية، فبعضهم يتكئ عليها اتكاء تاما، فيتابعها بيتا بيتا، وبعضهم يأخذ الشكل العام، لكنه يظهر ذاتيته في الصياغة والمضمون، وبعضهم يزيد عليها أو ينقص منها، وكلهم يحافظون على الشكل وتسلسل الأجزاء.

وإذا أردنا استيفاء معارضات البردة، لصعب علينا ذلك، ولقينا من أمرنا شططا، وإنما نريد إيضاح فكرة المعارضة وأثرها على الشكل، فشعراء المديح النبوي لم يجدوا قصيدة مشهورة إلا عارضوها. وقد عورضت قصيدة كعب في المراحل السابقة للعصر المملوكي، عارضها الأبيوردي، وعارضها الزمخشري وغيرهما، واستمرت معارضتها إلى ما بعد العصر المملوكي، فأضحى شكلها شائعا في شعر المديح النبوي عبر العصور.

ولاحظ المقري حين أورد قصيدة ابن لبّ «١» ، أنها معارضة لقصيدة أخرى، فبعد أن أورد القصيدة التي مطلعها:

إذا القلب ثار أثار ادّكارا ... لقلبي فأذكى عليه أوارا

قال: «وقصد- رحمه الله- بهذه القصيدة، معارضة قصيدة للشهاب محمود، التي نظمها بالحجاز في طريق المدينة المشرفة، على ساكنها الصلاة والسلام، وهي طويلة، ومطلعها:

وصلنا السرّى وهجرنا الدّيارا ... وجئناك نطوي إليك القفارا

وقد تبارى الشعراء في هذا الوزن وهذا الروي، ومنه القصيدة المشهورة:

أقول وآنست بالحيّ نارا «٢»

فالمعارضة طريقة من طرق الحفاظ على الشكل الشعري التقليدي، لكنه قدّم فيه


(١) ابن لب: فرج بن قاسم بن أحمد التغلبي، كان مشاركا في الفقه والأدب، وكان معظما عند العامة والخاصة، درّس وولي الخطابة، توفي سنة (٧٨٣ هـ) . المقري: نفح الطيب ٥/ ٥٠٩.
(٢) المقري: نفح الطيب ٥/ ٥١٠.

<<  <   >  >>