للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثل هذا قصيدة أخرى للصرصري، تسيل عذوبة، وتطفح بالموسيقا الشعرية التي تتأتى من الوزن وعلاقة الألفاظ واختيارها، بدأها بقوله:

أغراه بنجد لوّمه ... فبدا ما كان يكتمه

لو لاقى منه معنّفه ... ما لاقى أصبح يرحمه

أنّى يلحق صبّ قلق ... مشغوف القلب متيّمه

إنّ المغرى بهوى طلل ... لقتيل مطلول دمه «١»

والقصيدة كلها على هذا النحو من رشاقة اللفظ وخفة الوزن وعذوبة القافية الملائمة للإنشاد، تزيد السامع نشوة على نشوة المعنى، يجتمع فيها الفن الشعري الأخّاذ والمعاني القريبة من النفس، والتي تثير شجونها ومكامن الانفعال فيها.

وللصرصري مدائح أخرى مماثلة، تجمع خفة الوزن وعذوبة اللفظ ورشاقته، ويظهر أن الصرصري وجد في الأوزان الخفيفة ما يلبي حاجة الإيقاع الداخلي في نفسه، وما يلائم مجالس الإنشاد، مثلما وجد في البحور الطويلة ما يعبّر عن أفكاره، ويتسع للمعلومات الكثيرة التي أودعها مدائحه النبوي، ومن المرجح أن الإنشاد ومجالسه قد جعل شعراء المدح النبوي يجنحون في قصائدهم نحو أشكال تلبي حاجة المنشدين، وتفي بما تتطلبه هذه المجالس، لذلك أخذوا ينظمون قصائدهم على الأوزان الخفيفة، ويقطّعون أبياتها تقطيعات إيقاعية، يسهل معها إنشادها بمصاحبة الآلات الإيقاعية.

ومن هذه القصائد قصيدة للبوصيري، يقول فيها:

الصّبح بدا من طلعته ... واللّيل دجا من وفرته

فاق الرّسلا فضلا وعلا ... أهدى السّبلا لدلالته


(١) المجموعة النبهانية: ٤/ ٥٣.

<<  <   >  >>