ولم يكن التنويع الذي حاول شعراء المدائح النبوية إجراءه على قصائد المديح النبوي في الوزن فقط، بل بالقافية أيضا، التي تمنح الشعر العربي جرسا موسيقيا إضافيا، ولذلك وجدنا قسما من الحركة الإيقاعية الذي تولد في المخمسات وغيرها، يرجع إلى تنوع القوافي وترتيبها على نحو معين، وألزم بعض شعراء المدائح النبوية أنفسهم بنظم قصائد رتبوا قوافيها ترتيبا هجائيا كما مر معنا، ونظموا قصائد بعدد حروف الهجاء جعلوا كل قصيدة على حرف منها، وتكلّفوا لذلك، وكدّوا أذهانهم في تحصيل القوافي وملاءمتها لمقاصدهم، فألزموا أنفسهم بما لا يلزم، وهو لزوم يختلف عن اللزوم المعروف في قوافي الشعر العربي، والذي لم تخل منه قصائد المدح النبوي، مثل قول الشرف الأنصاري في مدحة نبوية، مظهرا فيها لونا من اللزوم:
قف بنجد وهضابه ... وابغ رضوان غضابه
وانشدن لي فيه قلبا ... غال صبري بانقضابه
حلّه جمر الغضا مذ ... حلّ جيران الغضابه «١»
فالالتزام نوع من أنواع تلوين القوافي، يظهر فيها الشاعر مقدرته، وسعة معرفته باللغة، وهو من فنون الصنعة والتصنع التي يدلّ بها الشاعر على أقرانه، ويتكلف لإتمام قوافيه، كما نلاحظ في مقطوعة الشرف الأنصاري التي جاءت القافية فيها غامضة في البيت الأول وملفقة في البيت الثالث، ولا يوجد ما يلزمه بأن يفعل ذلك.