للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أمّ نحوك مستشفعا ... إلى الله ممّا إليه نسب

سل الله يجعل له مخرجا ... ويرزقه من حيث لا يحتسب «١»

واللزوم لا يجمّل القافية، إن لم يكن يسيء إليها، فجمال القافية في أن تكون عفوية معبرة، متمّمة للمعنى متمكّنة، وقد رأينا في الأمثلة الكثيرة التي مرّت معنا عددا من القصائد، يعود جمال تعبيرها إلى قوافيها، ورأينا القصائد المتكلفة، تأتي بعض قوافيها لإقامة الوزن، واتساق قوافي القصيدة، ليس أكثر، فلا تتم معنى ولا تحسن وقع الصياغة في النفس، وخاصة عندما يختار الشاعر قافية صعبة، يعسر عليه الإطالة فيها، لذلك يستعين بالمعجم ليأتي بألفاظ قلّ استخدامها، فبدت غريبة، عسيرة الفهم، مثل قول الصرصري:

لمن المطايا في رباها تنفخ ... كالفلك تعلو في السّراب وترسخ

حملت على الأكوار كلّ مشمّر ... للمجد عن طلب العلا لا يربخ

يا سيّد البشر الكريم نجاره ... يا من بنسبته سما متشولخ «٢»

ومثل هذه القوافي كثيرة في المدح النبوي، لأن بعض الشعراء نظموا مدائح نبوية على حروف الهجاء جميعها كما أسلفنا، ولذلك اضطروا إلى البحث المضني عن القوافي التي تفي بحاجتهم، وتكلفوا إثباتها.

ومن هؤلاء ابن دريهم الثعلبي «٣» ، الذي نظم قصيدة في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مؤلفة من ثلاثين بيتا، تقرأ على حروف المعجم كلها، وهو يظن أنه بذلك قد صنع ثلاثين


(١) ديوان الحلي: ص ٨٦.
(٢) ديوان الصرصري: ورقة ٢٨.
(٣) ابن دريهم الثعلبي: علي بن محمد بن عبد العزيز الموصلي، كان تاجرا عالما، درس في الجامع الأموي، وعمل في ديوان الأسرى، بعث رسولا إلى الحبشة، فمات في قوص سنة (٧٦٢ هـ) ، له نظم وسط، كثير التعسف والتكلف. ابن حجر: الدرر الكامنة ٣/ ١٠٦.

<<  <   >  >>