للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قصيدة في قصيدة واحدة، وليتمّ له ذلك، وليتغلب على مشكلة الوزن والقافية، حاول الاحتيال لذلك، والاجتهاد في إخراج كلمات القافية على ما جوّزه علماء العروض، فأتت القصيدة في غاية التكلف والتصنع، بدأها بقوله:

إذا لم أزر قبر النّبيّ محمّد ... وأسعى على رأسي فإني مرجأ- معنّاه- أعتب- معنّت

نبيّ له فضل على كلّ مرسل ... وآياته في الكون تتلى وتنشأ- وبشراه- تطرب- تنعت

رقى في السّماوات والعلا فتشرّفت ... به ودنا من قاب قوسين ينبّأ- قرباه- اقترب- يثبت «١»

ويمضي هكذا في قصيدته حتى ينهي أبياته الثلاثين، وبعد نهاية كل بيت يثبت ثلاثين قافية بديلة، وكأن القافية هي تحصيل حاصل، يمكن أن يأتي الشاعر بأية كلمة لها وزن مناسب وتنتهي بحرف القافية، ويثبتها، أما ارتباط القافية بمجمل كلمات البيت، وبالمعنى والصياغة والتعبير الشعري، فإنه أمر لا يعتد به.

وهذه نتيجة الاتجاه نحو الصنعة المتكلفة، والشكلية الطاغية التي طبعت شعر بعض من شاركوا في نظم المدح النبوي.

إلا أن هذه الشكلية في قوافي قصائد المدح النبوي، على الرغم من وجودها الظاهر، لم تطغ على المدح النبوي كله، فظل القسم الأكبر من المدائح النبوية طبيعيا في قوافيه، وبعضها وصل إلى حدّ الروعة في الخفة والطلاوة، والانسجام مع عناصر القصيدة كلها، مثل قصيدة البوصيري التي مطلعها:

الصّبح بدا من طلعته ... واللّيل دجا من وفرته «٢»

ومثل قول الشهاب محمود:


(١) ابن دريهم الثعلبي: قصيدة في مدح الرسول، ورقة ٢.
(٢) ديوان البوصيري: ص ٢٧٥.

<<  <   >  >>