للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الأسلوب العربي الأصيل الذي يبدو غريبا عن العصر المملوكي، يجيده الصرصري، فيعود إليه بين المدحة والآخرى، لأنه أرقى أسلوب في نظرهم، وأرقى أسلوب هو الملائم لمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لذلك نجده يحافظ على أسلوبه الجزل الأصيل في مدحة أخرى، لا يختلف بين جزء وآخر من أجزاء القصيدة، مع طلاوة وعذوبة، قلما نجدها عند شاعر غيره، فيقول:

وسترت حتى نمّ دمعي بالهوى ... وأبرّ دمع العاشقين نمومه

فاعطف على قلب ملكت زمامه ... أنت الشّقاء له وأنت نعيمه

وله قديم لا دواء لدائه ... وأرى الهوى يعيي الرّجال قديمه «١»

وحتى الشعراء الذين تأخّر بهم الزمن، حاولوا أن يجاروا الأسلوب التقليدي، وأن ينظموا شعرهم على نهج سابقيهم، لتحقيق شيء من الأصالة والقوة في التعبير، مبتعدين عن الصنعة التي ملكت عليهم ألبابهم ومن هؤلاء النواجي الذي قال في إحدى مدائحه النبوية:

محمّد أحمد المختار أشرف من ... دعا إلى طاعة الرّحن داعيه

ومن هدانا إلى الإسلام متّبعا ... رضا الإله بتنزيل وتنزيه

ومن أتانا بدين واضح فجلا ... غياهب الشّرك وانجابت دياجيه «٢»

فكأن شعراء المديح النبوي الذي أجزلوا صياغتهم، أرادوا أن يجعلوا قصائدهم رصينة مناسبة لعظمة مقام النبي الكريم وهيبته، فحاولوا مجاراة القصائد التي سمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أصحابه ومعاصريه.


(١) ابن شاكر: فوات الوفيات ٤/ ٣٠٦.
(٢) المجموعة النبهانية: ٤/ ٢٩٠.

<<  <   >  >>