للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا أن بعض شعراء المديح النبوي لم تصل متابعتهم للقدماء إلى شكل صياغتهم، ولم تصل بهم الصنعة إلى التعقيد، فحافظوا على طريقة وسط في التعبير، تأخذ من القديم بلاغته وصحته، وتأخذ من الجديد وضوحه وطرافته، إنه أسلوبهم الخاص الذي لم ينظروا عند صياغته إلى ما حولهم، ومن ذلك قول الشهاب محمود في جلاء مشاعر الراحلين إلى الروضة الشريفة قبل وصولهم وعنده:

متى قال حادينا رويدا فبينكم ... وبين الحمى مقدار يومين أو أدنى

وهبنا له شطر الحياة فإن أبى ... ولم يرض ما قد وهبنا له زدنا

فلم يبق من آمالنا بعد فوزنا ... بذلك ما نأسى عليه إذا متنا «١»

فهذا الأسلوب في التعبير الشعري هو ما أطلق عليه أدباء ذلك العصر (الرقة والانسجام) ، المتأتي من رقة الألفاظ ودقتها، وجمال التركيب والعبارات وائتلافها، وتموج الأبيات بالإيقاع والموسيقا.

ونجد الجزالة وأصالة التعبير التي قلما انحرفت في المديح النبوي عند ما دحي النبي من المغاربة، الذين لم تفتنهم الصنعة، ولم تتسرب إلى شعرهم إلا تسربا خفيفا، وخاصة أولئك الذين لم يزوروا المشرق، ولم يقيموا فيه، فإنهم ظلوا ينظمون شعرهم على غرار الشعر القديم الذي وصلهم، وكأنهم كانوا بمعزل- نوعا ما- عن مركز تيارات الصنعة الأدبية في مشرق الوطن العربي.

وقد امتازت مدائح المغاربة غالبا بالأصالة والقوة والجزالة، ومن ذلك قول ابن الجياب الأندلسي:

ألا عدّ عن وصف الدّيار المواثل ... ودهر مضى لم تحظ فيه بطائل


(١) الشهاب محمود: أهنى المنائح ص ٨٦.

<<  <   >  >>