للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن يتمعّن في هذا الشعر يدرك الفرق بين الشعر السابق الذي يعتمد على أسماء سور القرآن الكريم، وبين هذا الذي يقتبس من لفظه.

فألفاظ القرآن الكريم هي أفضل ما استخدمه شعراء المديح النبوي في شعرهم، والقرآن الكريم أفصح المصادر التي أخذوا منها بعض ألفاظهم، إلى جانب ما أخذوه من الحديث الشريف والذي ظهر عند نظمهم للأحاديث الشريفة، وأخذهم للعبارات الشريفة، وقد مرّ معنا كثير من هذه الألفاظ عند ما مثلنا لموضوعات المديح النبوي ومعانيه.

وإلى جانب مصطلحات العلوم والألفاظ التي أخذها شعراء المديح النبوي من القرآن الكريم والحديث الشريف، أخذوا ألفاظا وعبارات من التراث العربي، والشعر منه خاصة، وهذا ما ظهر لنا في مواضع سابقة، وخاصة عند ما يعارض الشاعر قصيدة قديمة، فيأخذ إلى جانب معانيها العبارات والألفاظ، ولكنه لا يستطيع الوصول إلى فصاحة ألفاظ الشاعر القديم، لأنه يجمع بينها وبين صنعة عصره، وطريقته في استخدام المصطلحات البعيدة عن الشعر، فإذا ما قارنا مقارنة بسيطة بين قصيدة كعب بن زهير (البردة) وبين بعض قصائد معارضيها، لوجدنا الفرق واضحا بين ألفاظ القصيدة الأولى، وألفاظ قصائد المعارضة:

فابن نباتة يفتتح قصيدته التي عارض بها قصيدة كعب بقوله:

ما الطّرف بعدكم بالنّوم مكحول ... هذا وكم بيننا من ربعكم ميل «١»

أخذ عن مقدمة كعب (الطرف مكحول) في قوله:

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحول «٢»


(١) ديوان ابن نباتة: ص ٣٧٢.
(٢) ديوان كعب بن زهير: ص ٩.

<<  <   >  >>