فالفرق واضح بين قصيدة كعب والقصائد التي عارضتها، ولم تستطع أية قصيدة أن تقاربها في رصانتها ومتانة تراكيبها، ودقة عباراتها وفصاحة ألفاظها، فالشعراء لم يأخذوا اللفظ وطريقة استخدامه، بل أخذوا اللفظ، وراحوا يتلاعبون به ويستخدمونه استخداما جديدا، دون أن يتنبهوا على موضع استخدامه، والطريقة التي يدرج بها في الكلام.
وإذا كان بعض شعراء المدح النبوي قد نشدوا اللفظ الفصيح من خلال المعارضة، فإن بعضهم قد حاولوا مجاراة القدماء في إيراد الألفاظ واستخدامها، واعتمدوا في ذلك على ثقافتهم اللغوية، وتمثّلهم للتراث العربي الأصيل، ومن ذلك أراجيز الشرف الأنصاري التي مدح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والتي أغرب فيها إغراب شعراء الرجز، فقال في إحداها:
ومورد أحظى به التقاطي
فكنت من فرط الفرّاط
وذئبه متّصل العياط
من جوعه منقطع النّياط
أقعى لديّ مقعد المعاطي «١»
فهذا الإغراب في اللفظ، يماثل إغراب القدماء، وطريقة استخدامه تقارب طريقة استخدامهم، دعا إلى ذلك هذا اللون من الشعر العربي، والشاعر هنا يثبت أنه قادر على الذهاب في اللغة كل مذهب، وأنه ليس بحاجة إلى استعارة مصطلحات من علوم أخرى، ليعبّر عن معانيه.