لقد أجاد البوصيري في وصفه للنفس التي تطلب المزيد من الملذات إذا تركها المرء على هواها، لكنه إن راض نفسه، وكفّها عن شهواتها، عادت إلى القناعة، لا تأخذ من الملذات إلا ما حلّله الله، ولكي يوصل البوصيري هذا المعنى إلى الناس، شبه النفس بالطفل الذي يعتاد الرضاع، فإذا لم يفطم استمر على هذه العادة، وكل الناس يعرفون هذه الحقيقة ويعايشونها، ولذلك يسهل عليهم إدراك الصورة، وفهم المعنى الذي أراده البوصيري، وتخيل حقيقة النفس الإنسانية، فجاء التشبيه هنا ليغني عن الشرح والتفصيل، وينجي من الإسهاب والتطويل الذي لا يليق بالشعر.
لكن البوصيري عند ما انتقل إلى مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصفه وذكر معجزاته، أخذ يرصف التشابيه رصفا، قارنا بين المادي والمعنوي، ليجسد المعاني التي يريدها بالمحسوسات التي يراها الناس ويعرفونها، وهي تشابيه معروفة في شعرنا العربي، حتى وإن عكس التشبيه للمبالغة، حين عزا اللؤلؤ المكنون إلى منطق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وثغره، بيد أنه أجاد حين مثّل لوصف آيات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: إن آيات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ظاهرة واضحة لا تحتاج إلى وصف وبيان، ولكنه ينظمها في شعره لتزداد حسنا في أذن السامع، وإن كان سماعها في غير النظم لا يقلّل من قدرها، مثل الدر الذي يزداد حسنا حين ينظم في عقد، لكن بقاءه منثورا لا يقلل من قيمته.
وصور البوصيري ليست صورا بسيطة مبتذلة، وليست في غاية التعقيد، فهو يبذل جهدا في بنائها، لتؤدي ما بنفسه من أفكار ومشاعر، ولا يتكلف رسمها إلا نادرا حين يجعل أحد أركان صورته من مصطلحات العلوم ليجاري بذلك ذوق أهل عصره من المتأدبين والشعراء، مثل وصفه للطلل بقوله: