للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه يريد أن يقول: إن الطلل كان بيتا معمورا مثل شكل حرف الصاد الذي يتمثّل به للبيت المعمور، لكن أيدي البلى حولته إلى خراب، فأضحى شكله مثل شكل حرف الشين، الذي يتمثل به للييت الخرب، فكم من الناس يعلم هذه الحقيقة؟ وهل ضاقت الدنيا عن مثل يمثّل به لشكل الطلل، فلا يجد غير الكتابة وشكل الحروف؟

أظن أنه أراد تقليب تشبيه القدماء لآثار الديار بالكتابة التي انمحت معالمها، لكنه تقليب متكلف لم يرق إلى إبداع القدماء وفق ظروفهم.

إلا أن للبوصيري صورا رائعة إلى جانب ما تقدم، منها تشبيهه لحال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع باقي الأنبياء، وأنه أصل نبوّتهم، وهذا تجسيد لفكرة الحقيقة المحمدية، في قوله:

إنّما مثّلوا صفاتك للنّا ... س كما مثّل النّجوم الماء «١»

ووصفه لبني هاشم، أهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيه إبداع، حين جعلهم دوحة أنبتت أغصانها علما ودينا، وأفنان الدوحة عادة تنبت الثمار والأزهار، فخلط في صورته بين المادي والمعنوي بتنسيق موفق حين قال:

واصطفى محتده من دوحة ... أنبتت أفنانها علما ودينا «٢»

وأبدع في وصف شجاعة المسلمين وغضبهم لدين الله، حين جعل الموت يغضب لغضبهم، فقال:

يغضب الموت إذا ما غضبوا ... وإذا ما غضبوا هم يغفرونا «٣»

فالبوصيري معتدل في صوره، لا يجنح إلى التعقيد، ولا يشتط في بنائها على


(١) ديوان البوصيري: ص ٤٩.
(٢) المصدر نفسه: ص ٢٥٩.
(٣) الشهاب محمود: أهنى المنائح ص ١١٩.

<<  <   >  >>