للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصطلحات العلوم، لكنه يجيد التشبيه، ويحلق فيه، مقتنصا العلاقات بين المعنويات والمحسوسات بدقة وذكاء، فحرّك بذلك أسلوبه، ومنحه شحنة عاطفية إضافية.

ومن صور أهل العصر المعبرة التي تحمل آثار الصنعة، تشبيه للشهاب محمود، يصف فيه المسلمين في جهادهم، فيقول:

وكساهم حلل النّصر التي ... نبذت تلك الأعادي بالعرا «١»

فللنصر حلل كساها الله المسلمين، فظل المشركون في العراء، عاطلين من هذه الحلل، وفي كلمة عراء تورية، فهي نقيض الكسوة التي تحلّى بها المسلمون، وهو الفضاء الذي تركت فيه جثث المشركين المهزومين، فما أحلى حلل النصر التي كساها الله المسلمين، وما أرفع عزّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأعلى مجده في صورة الشرف الأنصاري التي رسمها في قوله:

هناك العزّ مرفوع السّواري ... وثمّ المجد منصوب الأواخي «٢»

فالعز بيت مرتفع والمجد خيمة منصوبة، وهذه الصورة تقليب لتشبيه القدماء وكناياتهم، فقد كانوا يكنون عن السيادة والعز بارتفاع بيت الممدوح، لكن الشرف الأنصاري جسّد العز، وجعل المجد مرئيا، فتقدم في هذا التشبيه خطوة إلى الأمام.

وإذا أردنا استعراض التشبيه في المدائح النبوية، لعزّ علينا ذلك، ولملأنا صفحات كثيرة، وخاصة من التشابيه العادية التي تميل إلى الصنعة، والتي تظهر آثار ذوق أهل العصر، مثل وصف ابن حجر لمحاسن محبوبته المزعومة في مقدمة إحدى مدائحه النبوية بقوله:


(١) الشهاب محمود: أهنى المنائح ص ١١٩.
(٢) ديوان الشرف الأنصاري ص ١٤٢.

<<  <   >  >>