للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأطوي بأذيال النّسيم رسائلي ... فأنشق عند الطّيّ من طيبها نشرا «١»

وقال النواجي:

لي الله أحبابا طووا شقّة الفلا ... فأنشق عند الطّيّ من طيبها نشرا «٢»

فالصعنة البديعية في المدائح النبوية قلما جاءت خفيفة مقبولة، طوعها الشعراء للشعر، وأخضعوها للمعنى، وظلت حلية للشعر تحرك أسلوبه وتزينه، لكنها في الغالب كانت ثقيلة متكلفة، تمردت على الشعر، وأبت الاندراج في عالمه، فظلت ظاهرة نابية، طافية على السطح، جارت على المعنى والأسلوب معا، وأضحت ثقلا تنوء به القصيدة، بل أخذت المكان الأول في القصيدة، وكل العناصر الآخرى وجدت لخدمتها، بدلا من أن تخدم هي المعنى والأسلوب، حتى تطور الأمر أخيرا في هذا الاتجاه، فنتج عنه البديعيات التي ربطت رسميا بين البديع والمدح النبوي.

وقد أسهب أصحاب البديعيات وكتب البديع في التنقيب عن فنون بديعية جديدة، وضربوا الأمثلة لها، وتوسعوا بها توسعا كبيرا، فلم يتركوا مذهبا من مذاهب القول إلا عدّوه من ضروب البديع، وتكلّفوا له تحديدا وأمثلة، فإذا لم يسعفهم التراث العربي على اتساعه، أو ما قاله أهل عصرهم، تكلفوا لها أمثلة من صنعهم.

ولم أشأ أن أتبع فنونهم البديعية، وأمثّل لها من المديح النبوي، لأن شعراء المديح النبوي في معظمهم لم يلتفتوا إليها كلها، من ناحية، ولأن في متابعتها شططا وظلما للمديح النبوي من ناحية ثانية، ولأن الحديث عن هذه الفنون مرتبط بالبديعيات التي سيأتي ذكرها من ناحية ثالثة.


(١) المجموعة النبهانية ٢/ ٢١٣.
(٢) المصدر نفسه: ٢/ ٢٢٠.

<<  <   >  >>