للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فشاعرنا أسير الهوى، يبكي بدمع طليق، ماذا زاد في هذا المعنى؟ أما سفح الدموع والعقيق والمنحنى من ضلوعه، فهي صناعة مكررة حرفيا تقريبا، ولا ندري كيف يسكن الحب مفاصله وعروقه؟ وتأبى عليه صنعته إلا أن يذكر المجاز الحقيقي، حين يذكر جوازه على الصراط، وإلا أن تزخرف الدار التي يسكنها في الجنة، فلم يسلم له المعنى، ولم يسلم له جمال الأسلوب.

وهذا ما نجده عند المغرمين بالصنعة البديعية، والذين لا يجيدون استخدامها في شعرهم، فأوقعهم همّ المجاراة في الركاكة والتكلف، مثل ابن حجر، العالم المتبحر، الذي أبى إلا أن يجاري الشعراء فيما هم مشتغلون به من صنعة وزخرف، فكانت النتيجة مثل قوله:

إن أبرموني بالملام فإنّ لي ... صبرا سينقض كلّ ما قد أبرموا

والدّمع في أثر الأحبّة سائل ... يا ويحه من سائل لا يرحم

يا هاجري وحياة حبّك متّ من ... شوقي إليك تعيش أنت وتسلم «١»

لقد أدخل علمه في شعره، وجارى الشعراء في صنعتهم، واستخدم الأمثال والعبارات الشعبية، فطغت هذه الأشياء على قصيدته، فذهب الشعر وبقيت.

والمؤسف أن شعراء ذلك العصر كانوا يتابعون بعضهم بعضا في اصطناع ألوان البديع التي لم يسلم استخدامها من ثقل وتكلف، مثل متابعة الشعراء لبعضهم بعضا في إثبات الطي والنشر في شعرهم، وذكره باللفظ، فابن الدماميني «٢» قال في مدحة نبوية:


(١) المجموعة النبهانية: ١/ ١٠٦.
(٢) ابن الدماميني: محمد بن أبي بكر بن عمر الإسكندري كان فاضلا رئيسا حشما، له شعر جيد، توجه إلى الهند في متجر، فمات هناك سنة (٨٢٨ هـ) . إبن إياس: بدائع الزهور ٢/ ٩٨.

<<  <   >  >>