للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومذ بصفا قلبي سعى طائف الهوى ... رمى بفؤادي جمرة بعد جمرة

على غاربي ألقيتم حبل هجركم ... وخيل اصطباري في الأعنّة عنّت

فلا تنكروا بالحزن أن صرت حائرا ... أشقّ جيوب الصّبر من عظم حسرتي «١»

فأراد ذكر السفح والعقيق والجرعاء، فسفح عقيق دمعه على سفح مقلته، وجرع لدى الجرعاء عبرته، وأراد ذكر الصفا والطواف ورمي الجمار، فجعل الهوى يطوف بصفا قلبه، وجعل فؤاده يرمي الجمرة إثر الجمرة، وهو يظن أنه جاء بشيء جديد عظيم، لم يأت به أحد قبله، وزاد على ذلك حين نظم المثل (ألقى الحبل على الغارب) ، وأضاف إليه خيل اصطباره التي عنّت في أعنتها، فالحبل استدعى إلى ذهنه الأعنة، فذهب بمعنى المثل، وبجزالة ألفاظه وبساطته في سبيل صنعته التي ألبسته ثياب الصبر ذات الجيوب، فعمل بها تمزيقا وشقا. فالصنعة جعلته يكرر الألفاظ، ويقدم ويؤخر، فأفسدت المعنى والأسلوب معا، ووصل في بعض قصائده إلى الركاكة، بسبب هذه الصنعة البديعية الثقيلة، والتي يكررها في قصائده، ويكرر صورا منها دون أدنى تغيير مثل قوله:

مغرم لم يزل أسير هواكم ... راح يبكي الأسى بدمع طليق

يسفح الدّمع في الخدود عقيقا ... حبّذا السّفح مؤذنا بالعقيق

يا نزولا بالمنحنى من ضلوعي ... هل إلى الصّبر عنكم من طريق

كيف أسلو وحبّكم في فؤادي ... ساكن في مفاصلي وعروقي

وأجوز الصّراط كي لمناها ... تبلغ النّفس بالمجاز الحقيقي

ومع المتّقين أسكن دارا ... زخرفت في جوار خير رفيق «٢»


(١) ديوان ابن مليك الحموي ص ٢١.
(٢) المصدر نفسه ص ١٦.

<<  <   >  >>