للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإلى جانب الراحة التي يلاقيها المشتغلون بالمدائح النبوية، فإنهم يعتقدون جازمين بأثرها في حياتهم في الدنيا، وبفضلها على تجاوزهم لأزماتهم، وهي كذلك تبعدهم عن الحاجة إلى الناس وسؤالهم في المدح، إضافة إلى الثواب والأجر والمغفرة في الآخرة، وهذا ما عبر عنه النواجي في قوله:

وصنت عن الخليقة حرّ وجه ... بهم ما زال في تعب وعتب

ليصفو بامتداح علاك عيشي ... ومن جدوى يديك يطيب كسبي

وأنقل في الثّرى من ضيق لحد ... لقصر في ذرا الجنّات رحب

فنيت فليس فيّ سوى لسان ... بذكرك يا جميل الذّكر رطب «١»

وإذا كان هذا الشاعر قد وجد في المدح النبوي ما يقيه من ذل السؤال، ويوسع في رزقه، إضافة إلى الثواب والمغفرة، ولهذا تعلّق بالمدح النبوي، وأوقف عليه حياته، فإن شاعرا آخر، هو ابن أبي اليسر «٢» وجد من بركة المدح النبوي ما دفع عنه ثقل دينه، فقال: «كان قد ركبني دين فوق عشرة آلاف درهم، وبقيت منه في قلق، فرأيت في النوم والدي، فشكوت إليه ثقل الدين، فقال: امدح النبي.. فقلت: قدري يعجز عن مدحه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: امدحه يوفي الله عنك دينك، فعملت وأنا نائم، فقلت:

أجد المقال وجدّ في طول المدى ... فعساك تظفر أو تنال المقصدا

هي حلبة للمدح ليس يجوزها ... بالسّبق إلّا من أعين وأسعدا

قال: فانتبهت، فأتممت القصيدة، فوفّى الله عني ديني في تلك السنة» «٣» .

فالاعتقاد بقدرة المدائح النبوية على تخليص الناس من كربهم كان قويا، يدل عليه هذا الانتشار الكبير لهذا الفن الشعري، فليس غريبا أن يعتقد مادح للنبي صلّى الله عليه وسلّم بأن سداد دينه جاء ببركة مدحه للنبي الكريم، فالشعور بالرضا هو ما يلازم مادحي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،


(١) المجموعة النبهانية ١/ ٦٤٩.
(٢) ابن أبي اليسر: إسماعيل بن إبراهيم، تقي الدين مسند الشام. توفي سنة (٦٧٢ هـ) . الصفدي: الوافي بالوفيات ٩/ ٧٣.
(٣) اليونيني: ذيل مرآة الزمان ٣/ ٤٤.

<<  <   >  >>