للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن العادات الاجتماعية التي أخذ بها الناس، والتي هبطت إليهم من الجاهلية، كرههم للبنات، والتشاؤم بولادتهم، وإهانتهن، ولذلك نبّه المصلحون الناس على خطل هذه العادة التي أنكرها الله تعالى في كتابه الكريم، فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى، ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ «١» وأنكرها رسول الله، فالإسلام أنزل المرأة المنزلة الكريمة التي تليق بها.

ولتذكير الناس بهذا، ضرب الشعراء لهم مثلا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال أحدهم:

فخير النّاس كلّهم جميعا ... رسول الله كان أبا البنات

وهنّ الؤنسات وهنّ أيضا ... بعيد الموت أحرق باكيات «٢»

فسيّد الخلق كان أبا البنات، ولم يخدش ذلك قدره الرفيع، وإلى جانب ذلك فالبنات صاحبات مشاعر رقيقة وحنان كبير، وهن المؤنسات لأهلهن، وهن الباكيات بحرقة صادقة على موت آبائهن.

وهكذا مضى الشعراء يضربون المثل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مظهرين حسن الاقتداء بسيرته الكريمة، والتأسي بأسوته الحسنة في إصلاح الظواهر الاجتماعية الخاطئة، وتعديل القيم المنحرفة عن جادة الصواب.

إن مسألة الاقتداء والتّمثل بسيرة رسول الله العطرة، لم تكن مقصورة على المدائح النبوية فقط، بل إن الشعراء إذا أرادوا تقديم حجة على كلامهم، لا يجدون حجة أصدق من موقف لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو صورة من صور حياته الكريمة، أو كل ما يتصل به من قريب أو بعيد، فتمثلوا بالصحابة الكرام، وتفانيهم في خدمة دينهم ونبيهم وأكثروا من مدحهم مظهرين تضحياتهم وإخلاصهم، ضاربين مثلا رائعا تتملاه الأجيال اللاحقة، وتفيد منه.


(١) الآية ٥٨ سورة النحل.
(٢) البلوي: كتاب ألف با ١/ ٤١٠.

<<  <   >  >>