للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكثر ما تمثّل به الشعراء من سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هو صبره وتجلده عند فقد عزيز عليه، وتذكير المسلمين بمصابهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند رفعه إلى الرفيق الأعلى، ولذلك قال السيوطي في إحدى مقاماته:

«وأعظم ما يسلّي الوالد عن صفيه، مصيبته بسيده وهاديه ونبيه، قال صلّى الله عليه وسلّم مرشدا بالقول الصائب: من أصيب بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب» «١» .

وقد اتسع ابن العريف الأندلسي في هذا المعنى، فجعل العبرة في مصيبة المسلمين برسول الله صلّى الله عليه وسلّم عامة، يجد المسلم كل المصائب تهون أمام مصيبته بفقد نبيّه، فقال:

إذا نزلت بساحتك الرّزايا ... فلا تجزع لها جزع الصّبي

فإنّ لكل نازلة عزاء ... بما قد كان من فقد النّبي «٢»

واستخدم الشعراء هذا المعنى في الرّثاء، فعند ما رثى شاعر اسمه (أحمد بن محمد بن علي الحجازي) ابن حجر، قال فيه:

يا ربّ فارحمه واسق ضريحه ... بسحائب من فيض فضلك عامره

يا نفس صبرا فالتّأسي لائق ... بوفاة أعظم شافع في الآخره «٣»

أدى انتشار هذا المعنى وكلف الشعراء به إلى تأليف كتاب يظهر العبرة من وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومواطن الاقتداء بها، سمّاه صاحبه (سلوة الكئيب بوفاة الحبيب) ، أنشد فيه لابن حجر قوله:

اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد ... واعلم بأنّ المرء غير مخلّد


(١) مقامات السيوطي: ص ٧٧، وابن ناصر الدين الدمشقي: سلوة الكئيب، ورقة ٥٢، وسنن الدارمي، مقدمة ص ١٤.
(٢) الصفدي: الوافي بالوفيات ٨/ ١٣٤.
(٣) ابن فهد المكي: لحظ الألحاظ ص ٣٤٢.

<<  <   >  >>