للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا ذكرت مصيبة تشجى بها ... فاذكر مصابك بالنّبيّ محمّد «١»

فالشعراء استقوا من سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاني مختلفة، ضربوا بها المثل لأهل عصرهم، ليتعظوا بها، وليصلحوا من شأنهم، فالنبي الكريم هو المثل الأعلى للمسلمين، وهو القدوة لهم في كل حركاته وسكناته، فحين يعرض مدّاحه زهده وورعه وعدله، يذكّرون حكامهم بما كان عليه سيد الوجوه، وبما هم عليه الآن من غنى وظلم، وحين يتطرقون إلى جهاده وشجاعته وصبره ومصابرته، فإنهم يقدّمون للمتقاعسين عن الجهاد صور البطولة الفذّة التي تحفزهم إلى بذل كل ما يستطيعون للحفاظ على دينهم وأوطانهم.

وغير ذلك كثير يقرعون به أسماع اللاهين الغافلين، ليثوبوا إلى رشدهم، وليقتدوا بسنّة هاديهم.

وإلى جانب إظهار القدوة من سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرص شعراء المدح النبوي على ذكر أخلاق النبي الكريم وصحابته الأطهار بالتفصيل، ومقارنتها بأخلاق أهل عصرهم، على أمل أن يتركوا من أخلاقهم ما يبتعد بهم عن أخلاقه صلّى الله عليه وسلّم وأخلاق أصحابه، وأن يتخلّقوا بخلق من بعث ليتمم مكارم الأخلاق «٢» .

وإذا كانت المدائح في الشعر العربي- في أكثرها- تلبس الممدوح أخلاقا لا تصحّ له، وترفعه إلى مرتبة سامية، فإن الشعراء، وإن كانوا ينافقون ويزيفون الواقع، فقد رسموا صورة مثالية لما يجب أن يكون عليه الرجل العربي، وأشاعوا الفضائل بين الناس ليأخذوا بها، فالمجتمع يفيد بذلك من قصيدة المدح، لأنها تحيي فيه أخلاقا لا قوام له بغيرها، وقد عبّر أبو تمام عن هذا المعنى بقوله:


(١) ابن ناصر الدين الدمشقي: سلوة الكئيب، ورقة ٥٢.
(٢) «بعثت لأتمم حسن الأخلاق» موطأ الإمام مالك، حديث ٨ ص ٩٠٤، «بعثت لأتمم صالح الأخلاق» مسند ابن حنبل ٢/ ٣٨١.

<<  <   >  >>