للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولولا خلال، سنّها الشّعر ما درى ... بغاة النّدى من أين تؤتى المكارم «١»

وحين يذكر شعراء المدح النبوي أخلاق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخلاق صحابته، وتنتشر قصائدهم بين الناس وينشغلون بها، فإنّ هذه الأخلاق الجميلة الجليلة، سترسخ في نفوسهم، ويتخلّقون بها، ويبتعدون عمّا يخالفها.

وقد نقلت كتب التاريخ والأدب أمثلة وافية للانحراف عن الخلق السوي في ذلك العصر، فكان لا بد للمصلحين، ومنهم شعراء المدح النبوي من محاربة هذا الانحراف، وتذكير أصحابه بأخلاق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخلاق أصحابه، ولذلك ألّفت الكتب الكثيرة في مناقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصفاته وأخلاقه، منها كتاب (عجالة الراكب في ذكر أشرف المناقب) ، قال مؤلفه: «كتبت في سفري هذا ضراعة، هي عجالة راكب، أودعتها لطائف من أشرف المناقب، استخرجت معظمها من كلام العلماء، وأدت إلى بعضها قريحتي.. لكن الأولى التأدب بأدبه، والاقتداء بهداه» «٢» .

ومن هذه الكتب أيضا كتاب (أدب الدنيا والدين) الذي عزا مؤلفه بعض ما أورده فيه إلى منام رأى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام ذات ليلة، فقلت: يا رسول الله، أوصني، فقال: استح من الله عز وجل حقّ الحياء، ثم قال: تغير الناس، قلت: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: كنت أنظر إلى الصبي، فأرى من وجهه البشر والحياء، وأنا أنظر إليه اليوم فلا أرى ذلك في وجهه. ثم تكلم بعد ذلك بوصايا وعظات، تصورتها، وأذهلني السرور عن حفظها، ووددت لو أني حفظتها» «٣» .

ولهذا أكثر شعراء المدح النبوي من الحديث عن الأخلاق في مدائحهم، ومن ذلك قول البوصيري:


(١) ديوان أبي تمام ٣/ ١٨٣.
(٢) ابن الزملكاني: عجالة الراكب، ورقة ٨٥.
(٣) الماوردي: أدب الدنيا والدين ص ٢٢٢.

<<  <   >  >>