إن الصرصري لم يبدأ سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل غيره منذ الولادة أو إرهاصاتها، بل بدأ منذ بداية الخلق، فذهب بنا إلى العالم الغيبي، ليثبت قدم اتصال الأرض بالسماء، والذي تأكد في نزول الوحي، والإسراء والمعراج، هذا الاتصال الذي يعطي السيرة الحس الملحمي، وخاصة حين يظهر الشاعر المعجز في كل مراحل حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ومضى الصرصري في سرد رواياته الغيبية، فأوضح كيف أن النور المحمد الذي بدئ به الخلق، ثم استمر بالانتقال من صلب طاهر إلى صلب طاهر، ومن رحم طاهرة إلى رحم طاهرة، وخاصة أصلاب الأنبياء، وكيف وردت البشارات به في الكتب السماوية، إلى أن وصل إلى الولادة، وما رافقها من معجزات، ثم عرض نشأته بطريقة السرد القصصي، فقال:
ولأربع من عمره لمّا غدا ... مع صبية أترابه الرّعيان
شرح الملائك صدره واستخرجوا ... من كلّ ما غلّ بشرح ثان