للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإلى جانب هذه القصيدة، يوجد في المدح النبوي قصائد كثيرة مشابهة، تحمل حسّا ملحميا، أو ملامح ملحمية، فإن لم تكن هذه القصائد ملاحم تشابه الملاحم الموجودة في آداب الأمم الآخرى، فلتكن ملاحم عربية، ولتكن الملاحم العربية تختلف عن غيرها، فليس من الضرورة أن تتطابق مع سواها، ولتكن لها شخصيتها المستقلة مثلما للأمة شخصيتها المستقلة، ولتكن هذه القصائد الفن الشعري الذي يقابل الملاحم عند الأمم الآخرى، ولتكن له أية تسمية أخرى، فإن التسمية لا تقرر ماهية هذا الفن، ولا تعطيه مشروعية الوجود، فالتسمية لاحقة وليست سابقة، إذ لا نستطيع أن نتجاهل مثل هذه القصائد التي قد تبلغ حجما لم يعهد من قبل، وقد تحمل من الخصائص ما لم يتوفر في قصائد سابقة، مثل قصيدة الصرصري التي بلغت ثماني مئة وخمسين بيتا، والتي قال في مقدمتها:

أصبحت أنظم مدح أكرم مرسل ... لهجا به في رائق الأوزان

حبّرت فيه قصيدة أودعتها ... من مسند الأخبار حسن معان

في وصفه من بدء تشريفاته ... حتّى الختام بحسن نظم معان «١»

فهو يصرح في مقدمته أنه نظم هذه القصيدة في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنه أودعها الأخبار المسندة منذ بدء تشريفاته، أي منذ وجوده وحتى الختام أي حتى وفاته، ولذلك بدأ قصيدته، أو سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الشعرية بالحديث عن بداية الخلق، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم موجود منذ بدء الخلق حسب نظرية الحقيقة المحمدية، فقال:

لما بنى الله السّماوات العلا ... سبعا تعالى الله أكرم باني

وأتمّ خلق العرش خلقا باهرا ... فغدا من الإجلال ذا رجفان

كتب الإله عليه اسم محمّد ... فوق القوائم منه والأركان


(١) ديوان الصرصري، ورقة ٩٦.

<<  <   >  >>